الظروف المحيطة بالظاهرة المجتمعية ، ربما تلعب دوراً مهماً في ابرازها ، اكثر من اهمية الظاهرة نفسها ، والعكس صحيح ، فقد تكون الظاهرة مهمة لذاتها ولكن الاطار الاجتماعي الموجودة فيه لايساعد على اظهارها ، او ان يكون (حظك من السماء) وتجتمع عندك الاهمية والقبول ، بيد ان مثل هذه المصادفة نادرة الحدوث ، ولا ادري عما اذا اكان الحزب الشيوعي السوداني قد حاز الاهمية لذاتها ام ان الظروف الاجتماعية التي احاطت به قد لعبت دوراً في ان يحوز على درجة معقولة من الاهتمام الشعبي ، والاهتمام لايعني بالضرورة الموافقة على اطروحات سياسية ربما تبقى محل اخذ وعطاء لفترة من الزمن تطول او تقصر ،من الظروف التي ساعدت على تسليط الضوء اكثر على الحزب كسل خصومه وعجزهم عن تقديم تبريرات منطقية لكثير من الظواهر خاصة تلك التي تسببوا في وجودها بانفسهم ، فيسارعون بنسبتها الى مكر وحيلة الشيوعين الواسعة ، وبدلاً من ان تدرك احزاب اليمين ان الحراك المطلبي للنقابات يمثل الوجهة الاخر للعملية الديمقراطية راحت تتهم النقابات بانها متاثرة بالنشاط الشيوعي ( الهدام ) وربما لهذا السبب لم تهش عنها عاديات الزمان، وقد قال احدهم ( اكان في كلب شالا ما بنقول ليه جر )، بيد ان ظاهرة التنكر لمطالب الجماهير المشروعة ونسبتها للشيوعين قد قويت واشتد ساعدها ابان الحكم المايوي الذي نسج اساطير حول قدرة الشيوعين ومكرهم الذي هو من تدبير الشيوعية العالمية وربما لاتكون لاجهزة المخابرات المحلية القدرة على مجابهته كتوطية لاتخاذ تدابير وقائية للحد من نشاط الجماهير في المطالبة بحقوقها التي اخذ النظام يتنكر لها منذ توقيعه لاتفاقه المشهود مع صندوق النقد الدولي في النصف الاخير من سبعينيات القرن الماضي ، ومن يومها اخذ سعر الجنيه يتراجع والاسعار الاخرى ترتفع وهو ارتفاع اودى في النهاية بحياة النظام ولكنه لم يتوقف ، لكن النظام اخذ يرد كل شئي الى تدبير الشيوعين ، ومن يومها راجت عن الشيوعين قدرات شيطانية لم نصادفها اثناء اقامتنا في هذا الحزب ، لكن ظللنا نسمع عنها بعد مغادرته مما دفعنا للاعتقاد بان الشيوعين ربما خدعونا وادخلونا حزب اخر ، لانهم كانوا يعلمون مسبقاً اننا سوف نغادرهم ولم يريدون ان يطلعوننا على كل اسرارهم، نظراً لان دوائر عديدة ظلت تنسب للشيوعين ما لايخطر على قلب بشر . هذه الشائعات خدمت الحزب ، اذ احتفظت له بوجود في الساحة السياسية قائم على الاساطير والمقدرات الخطيرة التي لايصدق معها احد بان الحزب يمكن ان يكون قد اندثر في مدينة سودانية ربما لم يتجدد شباب الحزب فيها منذ عقود ، لكن في اي اتفاق تبرمه المعارضة السودانية لايمكن ان يظل توقيع ممثل الحزب الشيوعي شاغراً . وامام الضجة التي يقيمها خصوم الحزب حول الوجود المتخيل له يبتسم الشيوعين وهم يرددون بينهم وبين انفسهم القول الماثور ( اكان قالوا ليك سمين ، قول اميين )