ظلت مفوضية العون الإنساني أحدى الأذرع المهمة في مخاطبة القضايا الإنسانية في أعقاب تفاقم الأوضاع الانسانية في مناطق دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، ورغم التحديات التي تواجهها إداريا ومالياً ممثلة في التقلبات الإدارية، بجانب تقليص ميزانيتها السنوية وإحجام المانحين في الالتزام بتعهداتهم إلا أنها ظلت صامدة، ولكن في ذات الوقت تحيطها الكثير من الإتهامات في مخاطبة قضايا المواطنين والمنظمات العاملة في الشأن الانساني .. (آخرلحظة).. التقت أحمد محمد آدم المفوض العام لمفوضية العون الإنساني وقلبت معه عدداً من الملفات، وقد عمل المفوض لأكثر من ثلاثين عاماً في العمل الإنساني متقلداً عدة مناصب في عدد من المنظمات الإقليمية والدولية، وشغل منصب المدير العام للمنظمات الأجنبية بالمفوضية، ومديراً عاماً لمجمع الاجراءات، ومسجل عام المنظمات، ثم أعير لمنظمة التعاون الإسلامي ممثلاً لها في شرق افريقيا بدولتي (كينيا- الصومال) لثلاث سنوات.. أخيراً اختير مفوضاً عاماً للمفوضية.. فالى مضابط الحوار: ٭ رغم أن السودان عضواً في الاممالمتحدة وشريك إلا أن منسوبيها يقومون ببعض الأعمال التي تعكر استقراره، ممثلاً في التدخل في الشؤون الداخلية، التي أدت الى طرد علي الزعتري وعدد من المنسوبين؟ - يجب أن نفرق بين الأممالمتحدة كمنظمة وبين الأفراد العاملين فيها. ٭ ولكنه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة؟! - خلاص الأفراد مهما كان موقعهم في النهاية سلوكهم يمثل سلوكاً فردياً، يتم التعامل معه بمقتضى الحال، لكن لا يمكن أن تنسحب أعمال الأفراد باعتبارها تمثل رأي الأممالمتحدة أو المؤسسة، لذا لابد أن نكون موضوعيين في هذا الجانب، ما نجده من مخالفة يتم التعامل معها حسب مقتضى الحال، سواء أكان بالتوجية أو الإرشاد أو مغادرة البلد لمخالفته، المسألة ليست على الاطلاق وإنما تقيد حالة بحالة. ٭ كيف تصف لنا علاقتكم مع المنظمة بعد إبعاد الزعتري؟ - نحن على اتصال مستمر وتعاون لمناقشة قضايا التعاون بين الحكومة والمنظمة، أعتقد أن الأممالمتحدة جاءت الى السودان أو أي بلد آخر عضو لمساعدته، وليس لإنشاء سياسات واستراتيجيات تتعارض أو تختلف مع أولويات الدولة التي تتعامل معها، يعني العلاقة تمضي بذات المنوال قبل الطرد أو الإبعاد.. ٭ ماهي المشاريع التي تدعمها أو تنفذها الأممالمتحدة بالسودان وكم بلغ عددها ومدى نجاحها؟ - الأممالمتحدة لا تنفذ بل تقوم بالتمويل، ووكالات الأممالمتحدة لا تنفذ وبرامجها تنفذ عبر المنظمات أو الحكومة، وهنالك عدد من المشاريع التي تم تمويلها عبر الأممالمتحدة في العام الماضي، وهذا العام تمت بالتشاور مع الجهات المختصة، سواء أكانت مشاريع صحية أو تعليمية أو إجتماعية أو غيرها من المشاريع الإغاثية، وهناك اتفاق على الأنشطة التي تقوم بها الأممالمتحدة، والحكومة تتابع وتراقب العمل. ٭ ما مدى نجاحها؟ - نجاح المشاريع لا يكون بنسبة مائة بالمائة، لكن هناك نسب متفاوتة في هذا المجال من جانب الى آخر، نحن الآن نعمل في تقييم الأنشطة التي تمت في العام 2014م، وسنصل الى نتائج يمكن أن نتبادلها مع أجهزة الإعلام لقياس حجم وأثر الأعمال التي تقوم بها الأممالمتحدة وغيرها من المنظمات في السودان. ٭ رغم ذلك هناك عدم رضا من المشاريع التي تمولها الأممالمتحدة في السودان خاصة في شرق السودان ودافور؟ - الإشكال ليس في التنفيذ بل في طبيعة المشاريع ذاتها الأممالمتحدة أو المانحون يركزون نشاطهم على مناطق النزاعات. ٭ لماذا؟ - لماذا... لأنهم يعتقدون أنها المناطق الأكثر حاجة يجب ألاَّ يكون المعيار استهداف مناطق النزاع فقط، بل المعيار يكون حاجة المنطقة الى المساعدات، حيث هناك مناطق ليست بها نزاعات ومستقرة، مثلاً الشمالية هناك حاجة وشرق السودان، أيضاً الجزيرة.. لكن اهتمام الأممالمتحدة أو المنظمات يركز على مناطق التوترات، لأن المانح لا يستجيب إلا لهذه المناطق، باعتبارها أكثر حاجة، ولكن نحن نعتقد بأنه يجب أن تصحح هذه الصورة نريد تعديل الوضع بما يخدم المناطق المحتاجة، سواء أكان بها أزمة أو أوضاعها طبيعية. ٭ كم بلغت تكلفة المشاريع التي نفذتها الأممالمتحدة بالبلاد؟ - لا استحضر الأرقام ولكن الآن خطة الأممالمتحدة لهذا العام تبلغ مليار دولار، حيث تم تصميم مشاريع وخطة للعام 2015 جملتها مليار دولار، هذه الخطة ستعرض على المانحين، وسنعرف مدى الاستجابة لها عقب النصف الأول من العام، لأن في العام الجاري لم تتجاوز نسبة التمويل ال 60% من المبلغ المطلوب. ٭ ارتفاع وتيرة حوادث الاختطاف سواء وطنيين أو أجانب؟ - الحوادث لم ترتفع بل قلت بنسبة كبيرة، وأنا كنت رئيساً للجنة الأمن والسلامة في الفترة (9002-0102) تعاملت مع 26 حادث اختطاف لأجانب، الآن الوتيرة قلت نتيجة لتحسن الوضع، وأصبحت حالات محدودة وليست ظاهرة.. وهي حالات فردية ومعزولة وتمت السيطرة عليها. ٭ ماهي ضوابط تحرك المنظمات في البلاد؟ - لا تستطيع اي منظمة أجنبية التحرك في مناطق من البلاد، إلا بإذن وتتم اجراءات أو ترتيبات مع الأجهزة الأمنية المختصة في المركز أو الولايات، نحن يقتصر إذننا في الوصول لعاصمة الولايات، وكما ذكرت آنفاً نجد أن حوادث الاختطاف قلت كثيراً وباتت محدودة. ٭ اشتكى عدد من المنظمات الأجنبية من عدم سماح الحكومة للدخول لبعض المناطق في جنوب كردفان والنيل الأزرق؟ - هذا الكلام غير صحيح.. الآن توجد في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق نحو (20) منظمة أجنبية من جنسيات مختلفة غربية وغيرها.. وكذلك منظمات وطنية الإشكال في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة.. نحن لا نضمن سلامة هولاء الناس حينما ينتقلوا لمناطق خارج السيطرة، وبالتالي يحدث التقييد ففي ولاية النيل الأزرق مثلاً هناك ما بين 5% الى 8% من الولاية خارج السيطرة، وفي ولاية جنوب كردفان نجد أن أجزاء من ثلاث محليات خارج سيطرة الحكومة، وبالتالي لا نضمن سلامة هولاء الناس، وسلامتهم مسؤولية الحكومة وليست مسؤولية أية جهة أخرى هذا قيد.. القيد الآخر أحياناً إذا سمحنا لهم فإن المسؤولين عن أمنهم لا يسمحون لهم بذلك خوفاً على سلامتهم.. فالقضية لها أبعاد أمنية أكثر من اي شيء آخر. ٭ إذن لماذ تم السماح للموظفي الهلال الأحمر الذين تعرضوا للكمين قرب الكرمك؟ - الكرمك منطقة تخضع بالكامل للحكومة، وتم التوزيع بالتنسيق مع الأممالمتحدة في برنامج أنساني مشترك وأثناء عودتهم في اليوم الثاني تعرضوا لاعتداء على بعد 65 من الكرمك. ٭ في هذه السياق ماهي رسالتكم للمنظمات والعاملين في المجال الإنساني؟ - الأجهزة المختصة تسعى لتوفير المعلومات حول الوضع الأمني، وتوفير الحماية أثناء الحركة، نحن نرى أن حادثة النيل الأزرق حالة معزولة، ولا ينبغي أن تكون حالة عامة بل خاصة نأمل ألاَّ تتكرر.. العمل في حد ذاته كان مرفوضاً بالنسبة لأن الذين قتلوا موظفين وطنيين ويعملون في العمل الإنساني ويقدمون مساعدات للمواطنين للمتأثرين، فاستهداف العاملين الإنسانيين عمل غير مبرر وغير إخلاقي، فأنت تستهدف إنساناً مدنياً آمناً يقوم بمساعدة الناس، وهذا نداء ظللت أكرره.. لا بد أن نفصل بين المسارين السياسي والانساني، فالأخير له طرقه وأدواته، والعمل السياسي له أيضاً طرقه ووسائله المختلفة. ٭ باعتباركم عضو وفد الحكومة المفاوض في ملف المنطقتين.. مراقبون يرون أن الحل لابد أن يكون سياسياً؟ ٭ كيف تصف الوضع الإنساني بالمنطقتين؟ - اتفق معك في أن الحل لابد أن يكون سياسياً وينبغي أن تبذل كل الأطراف جهداً لتحقيق هذا الحل، لكن إذا تحدثنا عن الشق الإنساني هناك آلية لتوصيل المساعدات (الآلية الثلاثية) للمناطق التي تقع خارج سيطرة الحكومة، وأكد مجلس الأمن في قراره (2046) على ذات المعاني، لكن للأسف الشديد الأخوة في الحركة الشعبية قطاع الشمال لم يستجيبوا لهذا الأمر ولم يعملوا على تنفيذ ماتم الاتفاق عليه من الضروري الاستجابة، لصوت المحتاجين خاصة الأطفال والنساء لتقديم المساعدات الضرورية. ٭ كيف تصفون الوضع الإنساني في منطقة أبيي؟ - تم إرسال فريق مشترك من الحكومة و الأممالمتحدة لاجراء مسح للاحتياجات الإنسانية في المنطقة خاصة فيما يتعلق بالخدمات الأساسية.. ورفعت اللجنة المشتركة تقريرها وسيتم بناء على ذالك تحديد مشاريع خلال العام (5102م) تهدف الى تحسين الخدمات الأساسية، خاصة فيما يتعلق بالصحة والتعليم وتوفير المياه. ٭ كم تستهدفون؟ - العدد المستهدف يبلغ نحو (160) ألف شخص، لكن قد لا نتمكن من تغطية كل العدد المستهدف، ولكن نسعى من خلال جهد الحكومة وجهد المنظمات للوصول الى أكبر عدد ممكن من المناطق والمحتاجين.. علماً بأن طبيعة السكان رعاة غير مستقرين ينتقلون من منطقة الى أخرى، ولكن نهدف الى حسين الخدمات حتى نستطيع الإسهام في استقرار بعض سكانها. ٭ ماهو التحدي الذي يواجه العمل الإنساني في المنطقة ؟ - أكبر تحدي في المنطقة هو عدم تسمية الرئيس المشترك للإدارية من طرف دولة جنوب السودان، مما يجعل الآلية تسير على قدم واحد، يؤثر على العمل في المنطقة، نأمل أن تبادر دولة الجنوب بتسمية مندوبها ودفعه لمباشرة مهامه مع نظيره المشترك من جانب جمهورية السودان، وهذا يسهل علينا والمنظمات والاممالمتحدة العمل بصورة سلسلة وفاعلة. ٭ هل سيتم السماح للمنظمات بالدخول للمنطقة؟ - نعم سيتم ذلك بعد رفع مشاريع محددة للتدخل، ونحن شجعنا المنظمات على التدخل وتقديم خدماتها في المناطق المحتاجة. ٭ ولكن في هذه الحالة هناك تخوفات من تكرار ذات السيناريو الذي حدث في دارفور عقب دخول منظمات نتج عنه إنشاء معسكرات وهكذا؟ - لا... في هذه الحالة الوضع يختلف جداً دارفور تختلف عن أبيي، لأن نحن هنا نتحث عن خدمات أساسية لمواطنين سودانيين في المنطقة يحتاجون الى خدمات صحية- تعليمية للإنسان والحيوان، وليس هناك إشكال في هذا الجانب.. دارفور فيها مجموعات سياسية وحركات مسلحة وضعها يختلف عن هذه المنطقة التي يحتاج أهلها فقط للخدمات.. وأقول إن المواطنين في دارفور كانوا يعيشون في هذه المنطقة لعشرات السنين في سلام، ولم تحدث بينهم إشكالات وسوف يستمر هذا التعايش بين مكونات أبيي. ٭ كيف استفدتم من تجربة إعارتكم للمنظمة التعاون الإسلامي في الدفع بالعمل الإنساني؟ - تجربة العمل في منظمة التعاون الإسلامي كانت إضافة للخبرة التي كانت موجودة خاصة فيما يتعلق بالعمل في منطقة تكاد لا تكون فيها حكومة، الصومال غابت عنه الدولة المنظمة لمدة عشرين عاماً بسبب النزاع الطويل، وأعقب هذا في العام (2011) ظهور المجاعة الكبيرة التي كانت تحصد في اليوم ما يقارب (800) شخص يموتون جوعاً، وكنا نعمل في ظروف صعبة، الحكومة في ذلك الوقت لم تكن تسيطر إلا على جزء من العاصمة، وبالتالي كنا نتعامل مع وضع إنساني معقد وشريك حكومي غير موجود، ومع معارضة مسلحة تختلف تماماً مع الحكومة.. وفي ظل هذه التناقضات والظروف الاستثنائية الصعبة تمكنا بفضل الله الوصول الى اجزاء مختلفة في الصومال. ٭ ماذا استفدتم من التجربة؟ - من الدروس المستفادة تم تكوين تحالف من المنظمات الإسلامية استطاع أن ينسق في تقديم المساعدات على أساسين جغرافي وقطاعي، وتم استدراك الكثير من الآثار التي كان يمكن أن تتفاقم نتيجة للمجاعة في الصومال. ٭ كيف استفاد السودان من هذا التحالف؟ - نعم منظمة التعاون الإسلامي اقترحت فكرة التحالف هنا في ولاية جنوب كردفان، ويمكن للتحافل أن يكون تجربة تعمم في مناطق كثيرة من العالم. ٭ تمت إضافة المفوضية في اللجنة الثلاثية التي تضم الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي والحكومة الخاصة بوضع إطار مرجعي لإنفاذ استراتيجية خروج اليوناميد من دارفور؟ - نحن أعضاء في اللجنة منذ تكوينها لأن الآلية آلية مشتركة تمثل عدة جهات حكومية وأجزاء من المسائل التي تطرح الوضع الإنساني وما تتعلق به من مؤشرات أو أنشطة أو سلامة العاملين وبالتالي كنا جزاء أصيل منها. ٭ ماهو دوركم في هذا السياق؟ - الحفاظ على الوضع الإنساني في دارفور ومؤشراته واستقراره مع العلم بأن المكون الإنساني في البعثة يكاد لا يذكر.. البعثة ليست لها أنشطة إنسانية وخروجها لن يؤثر على اي عمل إنساني في السودان، لأنها ليست لها عمل إنساني في الأساس وجهودها في هذا السياق محدودة جداً.