مرت العلاقات السودانية اليوغندية خلال السنوات الأخيرة بكثير من التأزم والتوتر نظراً لوجود عدد من القيادات السياسية من منطقة الاستوائية الذين ابتعثوا للدراسة في جامعة ماكيريري التي تعتبر من أكبر المؤسسات التعليمية تخرجت فيها فئة مثقفة مناوئة للحكومة آنذاك بجانب التداخل القبلي الذي تمخض عن صراع مسلح عنيف، غير أن مطامع الرئيس اليوغندي يوزري موسفيني الإقليمية تعد أحد أهم الحيثيات التي أدت إلى توتر علاقات السودان ويوغندا ردحاً من الزمن، ولكن زيارة رئيس الوزراء اليوغندي «روها كانا روغوندا» إلى الخرطوم أمس الأول والمشاركة في مراسم توقيع اتفاقية إعلان المباديء حول سد النهضة الأثيوبي بتكليف من الرئيس موسيفي اعتبرها المراقبون خطوة لفتح صفحة جديدة للعلاقات السودانية اليوغندية في أعقاب توتر سياسي وقطيعة امتدت لسنوات. رغم أن التمثيل اليوغندي قد لا يتناسب بروتكولياً مع مناسبة التوقيع على الاتفاق الإطاري لإنشاء سد الألفية لا سيما أن المناسبة تعقد على مستوى رئاسي إلا أن الموقف اليوغندي الجديد يمثل صفحة جديدة لتعاون جيواستراتيجي بين البلدين لا سيما في ظل التكالب الدولي على الإقليم، ونجد أن انقلاب الموقف اليوغندي الجديد تجاه السودان ينطلق من موقفها من المحكمة الجنائية الدولية حيث تطابقت رؤى الدولتين، فالسودان يعتبرها قضية أساسية فيما يرى موسيفيني أن الجنائية تستهدف الأفارقة بشكل خاص مما دعاه أن يطالب الدول الأفريقية بالانسحاب من معاهدة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وسط اتهامات بأنها تستهدف الأفارقة بشكل غير عادل ولم يكتفِ بذلك، بل إنه قدم مقترحاً للقمة الأفريقية السابقة بالانسحاب من المحكمة التي وصفها بأنها تمثل الغرب، بل تعدى تلك الخطوة وانتقد في وقت سابق في كلمته للاحتفال بمناسبة مرور 51 عاماً على استقلال كينيا، استمرار المحكمة الجنائية الدولية في نظر اتهام نائب الرئيس الكيني، وليام روتو بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، رغم قرار الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم محاكمة أي رئيس أو نائب رئيس أفريقي في السلطة، لافتاً إلى أنها تمثل تواطؤاً. ويقول الدكتور إبراهيم الأمين الخبير في الشأن الإستراتيجي والدولي إن يوغندا هي إحدى الدول الموقعة على النظام الأساسي لميثاق روما، وإن موقف موسيفيني الجديد سيفتح باباً جديداً للعلاقات الثنائية ويقول إن مشاركتها في الاحتفال يأتي في إطار أنها عضو مهم في حوض النيل واتفاقية عنتبي التي وقعت عليها كل دول حوض النيل عدا دولتي المصب «السودان - مصر». وتعود حيثيات التوترات السياسية بين البلدين إلى مطامع موسيفيني الإقليمية، فهو يعد أحد اللاعبين الرئيسيين في الأحداث والتحولات السياسية في كل من رواندا وشرق الكنغو وما شهتدهما من دماء، بجانب تخوفها من الخرطوم لجهة تصدير الثورات بمعنى التخوف من نشوب ثورات مناوئة لنظام كمبالا لا سيما شمال يوغندا الذي يعتبر الأقرب جغرافياً للسودان، حيث تكثر الأغلبية المسلمة خاصة أن أحد الرؤساء الذين تعاقبوا على كمبالا كان مسلماً «عيدي أمين»، فالإقليم كان تابعاً للسودان إبان فترة الحكم التركي، بجانب مساندة يوغندا للحركة الشعبية قطاع الشمال رغم أن كمبالا سعت لاستضافة الحكومة السودانية ود.جون قرنق لجهة إجراء مصالحات بين الطرفين توجت بالفشل ولم تصل لنتائجها المرجوة، واستمر عداؤها للسودان عقب الانفصال رغم بعدها جغرافياً وامتد بعده بدخول الجيش اليوغندي طرفاً في القتال الدائر بين الفريق سلفاكير ميارديت ونائبه السابق الدكتور رياك مشار. ويقول الأمين في السياق إن سيطرة كمبالا على اقتصاد وديمغرافية الجنوب أحد الأسباب التي تؤرق الخرطوم حيث باتت تسيطر بصورة كاملة على سوق الجنوب تجارياً وسيادياً بمشاركة جيشها في صراع الجنوب رغم التنافس الكيني اليوغندي في الجنوب الذي توج بالانتصار للأخيرة، ولعل الاتهامات بين البلدين بشأن إيواء كل منها لحركات متمردة مناوئة أحد الأسباب، فكمبالا ظلت تتهم الخرطوم بإيوائها لعناصر جيش الرب ودعمه لوجستياً ومادياً بجانب دعم كمبالا لحركات التمرد الدرافورية، الشيء الذي لم تنكره يوغندا وأثر ذلك كثيراً في علاقاتهما، غير أن مراقبين كثر يرون أن مخطط الولاياتالمتحدةالأمريكية عقب سقوط الاتحاد السوفيتي الخاص بتمكين القادة الأفارقة الجدد على رأسهم يوري موسيفيني، والراحل مليس زناوي رئيس الوزراء الأثيوبي السابق، وأسياسي أفورقي رئيس أريتريا، ورئيس دولة روندا، في الحكم الذي باء بالفشل نتيجة لدخول هؤلاء القادة في حروب إقليمية أثرت كثيراً في المطامع الخاصة بموسيفيني.