كنت قد كررت في مقالات طوال الأشهر القليلة الماضية منادياًَ بضرورة التحول الإيجابي في سياسات السودان الخارجية، حتى يخرج السودان من العزلة الدولية المفروضة عليه، بسبب سياسات خارجية منحازة لأطراف غير مفيدة لنا، وكانت سياسات على حساب علاقاتنا التاريخية مع الشقيقة مصر والشقيقة أثيوبيا، وعلاقاتنا الأخوية الأزلية مع دول الخليج خاصة المملكة العربية السعودية، لأن ذلك تم في الأسبوع الماضي. التحول الأول الإيجابي وهو بكل المقاييس إنجاز تاريخي يحسب للأخ الرئيس البشير وللسودان، وهو الاجتماع الناجح الكبير في الخرطوم الأسبوع الماضي بين الرؤساء المشير عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر، والسيد هايلي ماريام ديسالين رئيس وزراء جمهورية اثيوبيا الاتحادية، والأخ الرئيس البشير رئيس جمهورية السودان، وكان بخصوص الاتفاق والتوقيع على اتفاقية إطارية بشأن سد النهضة الأثيوبي، وتم التوقيع التاريخي في الخرطوم وتناقلته كل وكالات وفضائيات العالم، إذ أن الأتفاق أزال غصة في حلق الأشقاء المصريين، إذ أكد الاتفاق الإطاري.. وأكد الرؤساء في خطاباتهم عند التوقيع على فتح صفحة جديدة للتعاون المشترك بين الدول الثلاث، وأكد الاتفاق أيضاً أحقية كل دولة في الأستفادة القصوى من مواردها وثرواتها الطبيعية دون المساس بحقوق الآخرين، وهذا الأمر بدوره منح الأخوة الأثيوبيين الثقة في نوايا كل من مصر والسودان، وتحركت أثيوبيا من موقفها وتعنتها وعنهجيتها في التحدي والإصرار على مواصلة بناء السد، ووافقت على رأي الأخوة المصريين في الإعتماد على تقارير لجان فنية رفيعة لتقييم كل الجوانب المتعلقة بإنشاء سد الألفية والمتمثلة في الدراسات الإنشائية للسد وسلامته في المستقبل، وعن آثاره المباشرة المتعلقة بحصة كل من السودان ومصر من المياه، إضافة إلى الآثار الجانبية الإجتماعية والبيئية، وأخيراً طريقة تشغيل السد، والآن وبعد التوقيع على الاتفاق الإطاري ولفائدة القاريء الكريم نورد في اختصار المعلومات الأساسية عن سد النهضة، ونحدد النقاط التي يمكن أن تكون مثار نقاش وجدل خاصة من الجانب المصري مع تعليقنا عليها، واقتراح حلول لبعضها حتى يتم الاتفاق النهائي المرضي لكل الأطراف. أولاً: سد النهضة الأثيوبي يقام في أقصى حدود اثيوبيا الغربية، وعلى بعد حوالي «04» كيلومتر من حدود السودان الشرقية، والمسافة بين بداية شبكة السودان القومية للكهرباء في الدمازين وبين سد النهضة حوالي «001» كيلومتر فقط.. سد النهضة يولد طاقة كهربائية قدرها «000.6» ستة آلاف ميقاواط من «61» توربينة ماركة فرانسيس سعة الواحدة «573» ميقاواط، مقارنة مع كهرباء السد العالي وقدرها «001.2» الفين ومائة ميغاواط من «21» توربينة فرانسيس سعة الواحدة «571» ميقاواط، وخزان مروي يولد «052.1» ميقاواط من عشرة توربينات فرانسيس سعة الواحدة «521» ميقاواط.. بحيرة سد النهضة تبلغ سعتها «37» ثلاثة وسبعين مليار متر مكعب، بحيرة ناصر أو بحيرة السد العالي سعتها «621» مائة ستة وعشرين مليار متر مكعب، وبحيرة سد مروي سعتها «5.21»- اثنا عشر ونصف مليار متر مكعب. تكلفة سد الألفية «النهضة» تبلغ «8.4» حوالي خمسة مليار دولار، وسد مروي كانت تكلفته «5،1» مليار دولار، السد العالي بدأ العمل فيه 7691م وانتهى 1791م، سد مروي بدأ العمل فيه 4002م وانتهى في مارس 9002م، سد الألفية بدأ العمل فيه في 1102م يتوقع الانتهاء من العمل في يوليو 7102م. ثانياً: الجانب المصري يتخوف من المساس بحصة مصر حسب اتفاقية مياه النيل للعام 9591م والبالغة 5.55 مليار متر مكعب- خمسة وخمسين ونصف. 58 في المائة منها من النيل الأزرق، أي حوالي سبعة واربعين مليار متر مكعب في العام، والسودان حصته حسب الاتفاقية (5.81) مليار متر مكعب ( ثمانية عشر متر ونصف متر مكعب.. وأيضاً 58% منها من النيل الأزرق.. أي حوالي ستة عشر مليار متر مكعب، بمعنى أن حصة السودان ومصر من النيل الأزرق تبلغ حوالي ثلاثة وستين مليار متر مكعب في العام.. المشكلة هنا- خاصة من الجانب المصري- تكمن في فترة إمتلاء بحيرة سد النهضة، حيث تقل حصة كل من السودان ومصر، الخلاف في تحديد سنوات إمتلأ البحيرة، فمثلاً إذا حددت أثيوبيا فترة سبع سنوات فإن النقص السنوي سيكون طوال هذه السبع سنوات حوالي عشر مليار متر مكعب، تحجز في البحيرة خلف السد، لذلك حصة مصر تنقص حوالي 5.7 مليار متر مكعب، والسودان 5.2 مليار متر مكعب.. وهذه معضلة ستكون عقبة في الوصول إلى اتفاق ما لم يتنازل كل طرف ويتقدم خطوة، وفي هذه المشكلة تحديداً أرى أن يتم الاتفاق على فترة عشر سنوات لإمتلاء البحيرة أي يحجز خلف السد طوال العشر سنوات حوالي سبعة مليار متر مكعب. هنا يمكن أن يساهم السودان في الحل بالتنازل عن هذه السبعة مليارات من حصته، لأن السودان ومنذ أكثر من عشر سنوات لا يستغل من حصته «5.81» مليار أكثر من عشر مليارات، لأن السودان ومنذ أكثر من عشرة أعوام يعتمد على زراعته المروية في مساحة حوالي «5.4» مليون فدان، وباقي الزراعة مطرية في «04» مليون فدان» إذ أن جملة الأراضي المزروعة في السودان اليوم حوالى «54» مليون فدان- خمسة وأربعين مليون فدان- مقابل هذا التنازل تمنح أثيوبيا السودان حوالي الفي ميقاواط بسعر تفضيلي طوال فترة العشر سنوات.. هناك جانب آخر مهم هو أن مصر سوف تفقد هذا الجزء من حصة السودان الذي كان يأتي لها عملياً لعدم تمكن السودان من الإستفادة منه، وهنا يمكن أن نقترح أن يمنح السودان الأخوة في مصر امتيازاً أخوياً بإستصلاح زراعة حوالي أثنين مليون فدان في السودان في الأراضي المطرية، تستغل في زراعة محاصيل تحتاجها مصر، مقابل عائدات مالية للسودان تكون ميسرة طوال العشر سنوات الأولى، تعود بعائدات مالية مقدرة ومجزية للسودان بعد العشر سنوات.. علماً بأن بالسودان أراضي صالحة للزراعة تقدر ب «071» مليون فدان، المستغل منها الآن فقط 54 مليون فدان. ثالثاً: ما يتعلق بتصميم السد وسلامته أمر لا خلاف عليه، وأعتقد أن الأثيوبيين والشركات المنفذة للمشروع لا يمكن أن تجازف بإهدار أموال طائلة كهذه قبل التأكد من هذا الجانب. رابعاً: فيما يتعلق بالآثار الجانبية الاجتماعية والبيئية فهي كلها في الجانب الأثيوبي، لأن البحيرة خلف السد الشيء الوحيد الذي يمكن أن يتأثر هو الزراعة بالري الفيضي، إذ سيكون انسياب المياه طوال العام في مستوى أقل من الفيضان الذي يترك مساحات صالحة للزراعة بعد الفيضان، وهذا يمكن الاستعاضة عنه بالري بالطلمبات الكهربائية من كهرباء السد بسعرها المخفض. كان ذلك التحول الأول.. التحول الثاني والمهم والذي ظللنا ننادي به هو إعادة العلاقة الحميمة مع دول الخليج خاصة السعودية، وقد أتاح الله لنا فرصة ذهبية لإحداث هذا التحول دون إراقة ماء وجه، وهي مشاركة السودان في «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية ودول الخليج في اليمن، إذ تم استقبال الرئيس البشير إستقبالاً يليق به وبالسودان بواسطة خادم الحرمين الملك سلمان في المطار، حيث لم يحدث ذلك في الآونة الأخيرة، وبهذا الاستقبال والترحاب الحار يكون السودان قد عاد الى علاقاته السابقة، ومشاركة السودان عسكرياً في «عاصفة الحزم» يزيل الجفوة المفتعلة الى الأبد ويفتح الباب أمام التطبيع الذي ناديت به مع أمريكا ودول الغرب، التي تؤيد عملية «عاصفة الحزم». هذا موقف تاريخي واستراتيجي يحسب لصالح الأخ الرئيس البشير الذي لم يتردد في ذكاء وشجاعة في إعادة كل العلاقات مع السعودية ومصر ودول الخليج، ستكون آثاره إيجابية للغاية في استقرار السودان وفي أمنه واقتصاده الذي سوف ينتعش مرة أخرى بالإستثمارات العربية خاصة السعودية التي نعرف عنها كل خير في تقدير مثل هذا الموقف، والتحول الكبير ولن تخذل السودان وبلغة الجيش نقول أخي للرئيس مبروك. شعب كسلان ..!! أسود: حينما بدأت تنتشر تلك الإشاعات عن الشعب السوداني بأنه شعب كسول، يعتمدون في ذلك على إلامكانات الهائلة الموجودة في بلادنا.. أرض زراعية شاسعة، ومياه من الانهيار والأمطار أوباطن الأرض ولا ننتج ما يكفينا من الغذاء، وجاء بترول ومعادن.. السخرية تتناول الموضوع مع كل حدث جديد حتى في الربيع العربي ومظاهراته، واتهامات بأننا لم نخرج لأننا كسالى، واليوم تعود نفس السخرية بعد مشاركتنا في عاصفة الحزم توحي بأن طائراتنا غير قادرة على الخروج من حدود الخرطوم. حتى أصبحنا نفرح بأية إشادة لموقفنا من دعم عاصفة الحزم. إذ أننا ننشر السلبى من هذه الشائعة أولاً ونعود لنشر اية إشادة من أي موقع ونصفق لها، وكأنها شهادة تبرئة من المقاطعة والأوصاف السخيفة التي تلاحقنا من حين لآخر. الشاهد نحن لسنا في حاجة لصك غفران من أحد، هذا هو الموقف الطبيعي لشعبنا في نصرة الإسلام وأرض الحرمين.. أما قواتنا المسلحة فهي الأشجع عربياً وأفريقياً والأكثر خبرة بسبب الحروب التي خاضتها داخل وخارج السودان، أما طيراننا فهو الأكثر تميزاً بتقنيته الروسية المختلفة والمتفوقة. أما (كسارين) المقاديف من الداخل فهؤلاء عليهم أن لا يزيدوا على مثل هذه المواقف الوطنية، ولا على القوات المسلحة فمثل هذه القضايا خط أحمر. يجب أن نعتز بما نملكه من صفات يعرفونها وينبهرون بها ويتمنون أن يكونوا مثلنا العقلاء من هذه البلدان، يعرفون جيداً من نحن وفضلنا في تأسيس مؤسسات وبنيات أساسية قامت عليها هذه الدول، ومازال أبناؤنا يقدمون كل خبراتهم ويعملون بإخلاص وأمانة عرفوا بها وحافظوا عليها حتى أصبحت نموذجاً لكل الشعوب.