قال الشيخ عبد القادر الجيلاني في الفخر :» أَنَا بُلْبُلُ الأَفْرَاحِ أَمْلأَ دَوْحَها طَرَباً وَفِي الْعَلْيَاءِ بَازٌ أَشْهَبُ».. ومع ذلك رأى الإمام المهدي أن أقل أنصاره يتفوَّق على الشيخ عبد القادر الجيلاني.. وقوله هذا يمكن أن يؤخذ ك «عينة» لتخيُّره وا ستلافه من رؤى الشعراني وابن عربي، حيث ان الفكرة المحورية لديه كانت إحلال المهدية محل المذاهب الفقهية، وانه الامام الذي يتصدى لمهمة «تأويل النص».. ولما كان للمهدي وحده الاجازة في ذلك، فقد كان له كذلك التخيُّر من رؤى مجيزيه.. كان لابن عربي، المتوفي سنة 638ه - 1240م، ولابن الفارض (1181 - 1235م)، ولابن عطاء الله السكندري، المتوفي سنة 709ه / 1309م، وغيرهم من فلاسفة الصوفية، كان لهم أثر كبير على صوفية السودان المتأخرين على رأسهم المهدي.. وبظهور هؤلاء الفلاسفة انقسمت الحركة الصوفية إلى تيارين، احدهما يحن إلى نهج الحلاج ورفاقه، وهو التيار الذي يتمثل صوفية القرنين الثالث والرابع والموصوفين في الرسالة القشيرية حتى الغزالي.. أما التيار الآخر فهو يمزج بين التصوف والفلسفة، ورائد هذا التيار ابن عربي الذي لفت تفرده انظار الفقهاء المدججين بالنصوص، فرموه كغيره من الأفذاذ بتهم الزندقة والكفر، وطالبوا باسئتصاله، وافتوا بحرمة تداول مصنفاته التى بلغت نحو مائتي مصنف. إن ما وقع من السلفيين في حق ابن عربي في الماضي، يبدو كجزء من مواقف ممثلي هذا التيار في حق الصوفية عموماً وفى حق الجمهوريين، فقد اصدر قاضٍ ينتمي إلى جماعة الاخوان المسلمين فتوى باحراق كتبهم . و هناك تشابه بين ثنائية «ابن عربي والامام المهدي»، و «الامام المهدي والاستاذ محمود»، و»ابن عربي والاستاذ محمود» .. التشابه يتجلى فى خلاصة التجربة لكلٍ، وفي امتداد عداء التيار السلفي واشتطاطه ضدهم.. وكذلك، فإن مصير ممثلي تيار العداء للصوفية قد تشابه أيضاً.. فابن تيمية (1263 - 1328م) ، كان على عهد ابن عربي ممثل اهل الظاهر، وقد جاءت نهاية حياته مأساوية مثل حال الرؤوس التي طالها سيف الشريعة ،، اذ مُنع من ممارسة الدرس ومات سجيناً. وكذلك حصد الدكتور حسن الترابي من اعدائه، اذ اقصاه تلامذته وافتوا بكفره من خلال نصوصه التي تبناها طوال حياته حتى السجن..!. يعتبر الشيخ عبد القادر الجيلاني (470 - 561ه) هو الأب الروحي لصوفية السودان.. جاء في قصيدة (السراي) :- « ساكنْ بغْداد، في كلِّ بَلد سَوّالو وُلَادْ واحْدين عُبّاد واحْدين زُهّاد واحدين صايمين، تاركين الزّاد».. والأبوة عند اهل التصوف رباط روحي أسمى من رابطة الدم... عاش الجيلاني عصر ازدهار التصوف، ونشر طريقته في بلدان العالم الاسلامي بابتعاث تلامذته في نواحي تلك البلدان، وكان نصيب السودان منهم الشيخ تاج الدين البهاري الذي مازالت مجالس المديح تنشد ذكراه:- «بُهاري بهر بي تاج الكون جاب بالذبح طريق القوم من الله محروس بالعون بسر الحرف الكاف والنون».. «تاج الكون» تعني في ما تعني تاج الأولياء، اي الشيخ عبد القادر، وهو «كوني» بمعنى أممي.. والشطر الثاني من النص يشير إلى حادثة ذبح الخراف، التى اشرنا اليها، في مستهل الحياة الجديدة لتلميذيه «الهميم ، وبان النقا».. كان البهاري قد تنبأ بأن تلامذته سوف «تحيا بهم البلد».. وبالفعل، فقد قامت السلطنة ومستولداتها التاريخية على ركائز الطريقة القادرية،، ثم جاء الامام المهدي بعد مائتي عام تقريباً على تلك البداية ليقول أن «أقل أنصاره يتفوّق على الجيلاني في المنزلة»،، واعقبه الاستاذ محمود محمد طه ، مبشراً بأن الطرقات في مقبل الأيام سوف تعُج بأمثال الجيلاني..!