(للموت جلال وللحزن رهبة.. ومساء موت صلاح كان مساءً للأحزان الكبيره والمآسي العظيمة) ٭ حين انتشر خبر نعيه سرت في أجسادنا قشعريرة مفجعة، فقد انتقلت الروح الخيره عن الجسد الطاهر، لتؤكد أنه قد مات، وأن الموت حق ولابقاء إلا لله جل شأنه، وجمع كل إخوانه ليهرعوا متدافعين بخطوات ثقيله وفؤاد مكلوم نحو بيته بحي الأزهري جنوبالخرطوم، جمعٌ من الذين تفرقت بهم السبل جاؤوا على عجل لاشئ يجمعهم إلا الحزن العريض.. اجتمعوا يبكون فقداً كبيراً ويعزون أنفسهم عسى الدموع تخرج شيئاً من آلامهم وحسراتهم، فلكل واحدٍ منهم مع صلاح قصة لم تكتمل وموعد مضروب لم يلتئم .. فقد رحل الصباح وتفجرت شمس الجراح فارحل هنيئاً ضاحكاً مستبشراً وأذهب سعيداً ولتدع لقلوبنا نحن النواح ٭ مات الأخ والشيخ والصديق صلاح ونسي ليسكب من أحبوه وعاشروه مداداً كثيراً ينعي معشراً طيباً وخلقاً رفيعاً وهمةً عالية، مثل همة القاده العسكريين العظام الذين يكسبون المعارك ويحققون الفتوحات والانتصارات، وهو بالفعل كان كذلك، فمعرفتنا له أيام كنا طلاب جعلتنا ندرك مبكراً أن الرجل لوحده يمثل أغلبيه كونه، وفي فتره وجيزه مثّل رمزيه لجيل كامل من الشباب الذين انقادوا له طائعين وتبعوه بلا إكراه لأنه جسد الفكرة التي آمنوا بها، ولامس شغاف قلوبهم ووسعهم باخلاقه السمحه. ٭ فحياته عامرة بالعمل وحافلة بالفضائل ورغم العمر القصير فصحيفته مملؤة بالانجازات وتنوع الخبرات.. لايدفعه لذلك إلا رسوخ العزيمه والايمان، فالرجل لم يكن ناسكاً متزهداً فحسب.. بل كان شغولاً وهب نفسه للعمل، ففي الوقت الذي أصاب فيه الرهق عدداً غير قليل ظل هو بمثابة الملاذ الذي يشحذ الهمم ويشحن الجميع بطاقة الإيمان التي لاتعرف المستحيلات. ٭ ويوم أن فكرت قياده الحزب في أمر الطلاب كان في الخاطر أن هذا القطاع هو العمود الفقري، والموئل الذي يسد حاجة التنظيم من القيادات الجديدة، ويتعهدهم بالرعاية والتربية الصحيحة ويحفظ لمشروع كامل استمراريته رغم الخطوب والتحديات، وصلاح كالعهد به لم يخيب رجاء الناس، بل كان فوق ظنهم جميعاً، ففي فترته أصبح الانضباط سلوكاً، والفضيلة منهجاً وإخلاص، والعمل لله طريقاً، وسمع كل الناس وبارك في عملهم، وعندما يذكر الناس (أن لا إله الله في سبيلها نعيش وفي سبيلها نجاهد وفي سبيلها نلقى الله) يأتي طيفه شاخصاً ومدللاً علي صدق القول لأنه إلتزمه منهجاً لايبرحه إلا إذا فرغ من شأن لينهض في شأن آخر.. وعندما غادر محطه الطلاب كان المؤتمر الوطني قد كسب صفاً ممتداً من الكوادر والشباب المؤهلين الذين يتصدون للمسؤلية العامة في كل أنحاء السودان الآن. ٭ إتفق حوله الناس لأنه كان مع الناس واحداً منهم، كرس وقته وبذل نفسه لهم جميعاً في لحظات الفرح والكره كان حاضراً وناصحاً، الكل كان يشعر بالانتماء إليه وأن له معه خصوصية ومودة، فكل من ارتبط معه بفترة عمل يحن لها، وتشده أجمل الذكريات لصلاح ونسي الذي عاش حياته على طريقته الخاصة، من عملوا معه ما كانوا يعرفون وقتاً للراحة والخصوصية، فالأوقات واللحظات كلها عنده للعمل، وعلى الرغم من تلك المهابة والكاريزما التي ميزته إلا أنه كان في لطف غير مصنوع ومودة غير متكلفة.. فأفاض على الناس من صفاته وميزاته الكثير من المرح والمودة، حظوظ الدنيا لم تغير المعدن الأصيل للرجل وهو الذي جاءته القيادة طائعة منقادة في عز شبابه. فحين اتجهت الدوله نحو إشراك الشباب في المسئولية العامة كان صلاح أفضل من يمثل تلك الأجيال الجديدة، ليصبح وزيراً أولاً يلازم الرئيس في حله وترحاله، ورغم أن بريق السلطه قد غير كثيرين إلا أنه ظل بذات صفاته النبيلة والجميلة كما هو لم تزده السلطة إلا تواضعاً وأدباً فكسب أضعافا من التقدير والاحترام.. ٭ يد الموت التي تخيرته لم تسعف الأماني والطموحات التي عقدت عليه من أجل أن يكمل مابدأ من عمل، لأنه ما من شخص صعد حديثاً للقيادة واتفق عليه الناس كما حدث معه، فالرجل النادر عصم نفسه بالإستقامه ومكارم الأخلاق وسلامة النية، لم يخض في خصومة ولم يعرف فحش القول والفعل ولم يولغ لسانه في غيبة أو نميمة، وماكان يترك أحداً يأكل لحم أخيه بل ظل حريصاً على التواصل وجمع صف الأخوان يتحسسهم ويتفقدهم مهما تباعدت مسافاتهم وأماكنهم، ومهما تباينت مواقفهم واختلفت آراؤهم ٭ اللهم إنا نشهد بأنه كان صالحاً ومستقيماً فاعفو عنه وألزم أهله وأصحابه الصبر الجميل وأسكنه فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء ..