تمثل المحاكاة أعمق عيوبنا كسودانيين وتظل السبب المباشر في تأخرنا وكسلنا من ابتكار الجديد في كل المجالات كأننا عديمي الموهبة وليست لدينا عقول وأفكار. خلال استماعي ومتابعتي لمعظم الأجهزة والوسائط الإعلامية السودانية المختلفة من إذاعات وقنوات وغيرها، لاحظت في الفترة الماضية طغيان شكل واحد ومتكرر من الإعلانات، هو الشكل أو النموذج الإعلاني المنظوم في شكل غنائي أو مصحوب بموسيقى وفنان وإيقاعات. طغى هذا النموذج في الفترة الماضية حتى اختلطت علينا المنتجات، فأصبحنا لا نفرق بين الأغاني والإعلانات، ولا الخدمات والشركات خاصة شركات الاتصالات. يرجع السبب في ذلك إلى محاكاة السودانيين لبعضهم البعض، نحن هكذا نفكر بطريقة واحدة، فما أن فكر أحدنا في إنتاج شيء جديد وابتكر طريقة حديثة ولاقت الفكرة بعض القبول، حتى قام الآخرون بمحاكاته، وتكرار المحاكاة مرات ومرات فتتحول النتيجة من نجاح إلى فشل، لاحظوا ذلك في كل تفاصيل الاستثمارات الصغيرة والكبيرة في السودان، ابتداءً من الأمجادات مروراً بالركشات ومراكز الاتصالات وصالات الأفراح، ثم محلات الأسماك والمشويات، وملاعب الخماسيات مؤخراً، وستتأكدون أننا شعب «حاكاااااااي جداً»، فهل نعي نحن هذه المعلومة أم نجهلها؟.. وهل تعي شركات الاتصالات وغيرها من الشركات والمؤسسات الأخرى التي تعلن، أن طريقة الإعلان تلك قد أصبحت مكررة، مملة، وممجوجة وبالتالي يجب تغييرها.. أم ستواصل في إنتاج نفس النماذج لمنتجاتها الجديدة؟ مع كل ذلك فما كل إعلان غنائي غير جميل؛ وبالتأكيد هناك ما يعجب المستمعين، ليس لشكلها ولكن لأنها جميلة وراقية فعلاً، بها فكرة، وابتكار وأتت بجديد، وهي تستحق أن نضعها ونصفها نموذجاً لهذه النوعية من الإعلانات خاصة عندما تعتمد بشكل أساسي على صوت معين أو تمتهن احترافية عالية في التنفيذ. على المستوى الشخصي وعلى امتداد متابعتي، أعجبتني ولفتت انتباهي بعض الإعلانات، لأنها في تقديري أدت دورها بحق، فإعلان مثل دقيق الأول «المعمول بحب» و «وزادنا».. و«فرحانة بيك أن يا جناي»- حنة الشمس المشرقة، تستحق أن نرفع لها قبعة الاحترام، لجمال المفردة وقدرتها على نقل فائدة المنتج للمستمع، وحنيَّة اللحن وجاذبيته، مع جمال الصوت الذي يؤدي هذه الإعلانات المتميزة، وبالنظر إلى ما أحدثته هذه الحالات النادرة من ضجة وقبول، يمكننا القول هنا إن تلك الجهات صاحبة الإعلان قد استفادت حقاً من الإعلان الغنائي.