نحتفل هذه الأيام بذكرى استقلال بلادنا الحبيبة من براثن المستعمر، وللاستقلال معانيه السامية التي تدغدغ المشاعر، وتداعب أوتار الوطنية في داخل النفوس، وجميل أن تبدو مظاهر الاستعداد لهذه المناسبة العظيمة، في الشوارع والبيوت والمدارس وحتى رياض الأطفال، ولكن «ما جميل» أن تكون كل استعدادات الحكومة هي الإعلان للحفلات بالمحليات وميادين العاصمة العامة، ولا تبدو أي مظاهر أخرى في دواووين الدولة، ونقصد تزيين مبانيها وعمل اللازم من عمليات التجديد حتى يرفرف علم البلاد في تلك المباني. هذه واحدة، والثانية هل الاستقلال هو مجرد ذكرى، أو استقلال من المستعمر فقط؟.. الإجابة عندي بالتأكيد لا، فما زلنا نعيش حقيقة تحت براثن الكثير من العادات السالبة والاستعمار الثقافي، وبالأخص بعض الشباب الذين لا يعرفون من نهاية العام غير رأس السنة، والشاهد ما نتابعه من أخبار يعلن لها تحت مسمى «حفلات رأس السنة»، وما نشاهده من استعدادات لتلك الحفلات عبر مظاهر دخيلة على مجتمعنا. هذه الظواهر يجب أن تخضع للدراسة والتحليل وتقديم المعالجة المطلوبة حتى يكون استقلالنا من كل تبعية وليس جيوش المستعمر فقط، فالمستعمر ما زال موجوداً في عقول كثير من شبابنا وما زالت جيوشه تعيث فساداً في رؤوسهم التي لا تعرف ولا تفرق بين الاستقلال ورأس السنة. الاستقلال ليس حفلات وسهرات وخطب رنانة أو غير ذلك، وإنما دروس وعبر وعمل، لا أعني بأي حال من الأحوال التضييق على الناس في أفراحهم، ولا الحجر على آرائهم، ولست مستبداً «لا سمح الله» ولكنها رؤيتي لمعاني الاستقلال التي تختلف مع رؤى أخرى أراها قاصرة وهي تتحدث عن حفلات وترديد أغنية أو أغنيتين وطنيتين «من زمن أسكت» ثم يقال لنا إن الجهة الفلانية احتفلت بالاستقلال. هذا ضحك على العقول و«الدقون» واستخفاف بمناسبات الوطن، وهذه تحتاج منا لكثير مراجعة ولحظة توقف صادقة عند هذه المحطة، لنرى كيف استعمرت الثقافات الأجنبية عقول بعض شبابنا، وكيف أن مناسبات «أعراسنا» ترزح تحت براثن الزفة المصرية والأثيوبية وغيرها، ضاعت «الحريرة والضريرة» وأغنيات التراث الداعية للقيم الفاضلة. وبهذه المناسبة دعوني أسأل: ما هو دور الكيانات الفنية في الاحتفال بالاستقلال، وهل يعتبرون أن إقامة حفل هو كل المطلوب، وأين الأغنيات الوطنية الجديدة التي تمجد المناسبة؟ «كلو ما فيش». فالواضح أن كل أهل الفن عندنا ما زالوا يدورون حول أغنيات وطنية قدمت من أزمان سابقة، ظلت تتناقلها الأجيال «جيلاً بعد جيل». خلاصة الشوف: كل لحظة والسودان في أمان وسلام، وشعبه الأبي فوق كل الشعوب.