الصراع حول المياه هو صراع من أجل البقاء ولأن الماء هو الحياة فكل الكيانات الجغرافية والبشرية والكائنات الحية فى صراع يومى حتى تؤمن حاجتها من الماء. الصراع حول المياه ليس جديداً على مجتمعنا السودانى ويعرفه السودانيون حتى من خلال مقرراتهم المدرسية بين القبائل الرعوية المنتقلة وتلك المستقرة ولكن الصراع الاقليمي حول المياه هو الذى بات مصدر القلق والخوف . تعانى بعض دول العالم الغنية من نقص فى المياه العذبة يهدد الكثير من جوانب الحياة فيها ولم يعد الحديث عن أن الصراعات المستقبلية الدولية مجرد تنبؤات أو توقعات بل أصبحت حقيقة ماثلة وبشواهدها فى كل قارات العالم وهى إن لم تنفجر حتى الأن إلا أن مقدماتها بدأت منذ حين بالملاسنات والتهديدات والحرب أولها كلام. فى المحيط الإقليمى شهد العالم الحالى صراعاً واضحاً وخلافاً عميقاً بين دول حوض النيل حول مياه النيل والإتفاقية التى وقعت فى العام 1959 والتى أكدت على صحة الاتفاق الذى تم فى العام 1929 بين بريطانيا والدول الأفريقية التى قررت ألا تتخذ دول حوض النيل أى اجراءات عليه أو فروعه أو البحيرات التى ينبع منها يكون من شأنها نقصان مقدار المياه التى تصل الى مصر . دول المنبع بروندى - الكنغو الديمقراطية - اثيوبيا - رواندا - تنزانيا - أوغندا - كينيا رأت أن اتفاقية 1959 غير عادلة لأنها اعطت دول المصب مصر والسودان النصيب الأكبر من المياه مصر ( 55.5 مليار متر مكعب ) والسودان (18.5 مليار متر مكعب ) عليه يجب أن يعاد تقسيم المياه بين جميع دول الحوض بالتساوى. واحتدم الصراع واطلقت التصريحات القوية والمهددة من هنا وهناك وتوج ذلك باتساع الخلاف بين دولتى المصب ودول المنبع وفشل الاجتماع الذى انعقد فى القاهرة لدول حوض النيل فى الوصول الى صيغة حد ادنى لإتفاق ينهى الصراع والخلاف . وتوالت الاجتماعات لدول المنبع فى أديس أبابا ونيروبى خلال الشهور الخمسة الماضية وتزداد رقعة الخلاف إتساعاً ويحتدم الصراع ليصل ذروته بالتصريحات التى خص بها رئيس الوزراء الأثيوبي مليس زيناوى «رويترز» أول أمس الثلاثاء والتى ذكر فيها أن مصر لايمكنها أن تكسب حرباً مع اثيوبيا على مياه نهر النيل وان مصر تدعم جماعات أثيوبية متمردة فى محاولة لزعزعة استقرار اثيوبيا وأبدى وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط فى تصريح له لذات الوكالة دهشته الى اللغة التى استخدمها زيناوى قائلاً أن مصر لاتسعى لحرب ولن تكون هناك حرب وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً ذكرت فيه أن اتهامات رئيس الوزراء الأثيوبي فى حق مصر عارية من الصحة . ليس من مصلحة المنطقة أن تتوتر العلاقات بين أى دولتين من دولها ومن مصلحة المنطقة ان تعى دولها أن الكثير من المصالح الدولية والأجندة الخفية أن تظل بؤر التوتر فيها متقدة وملتهبة باستمرار فاثيوبيا ومصر من أكبر الدول الأفريقية من حيث السكان والتأثير السياسي على العلاقات العربية الأفريقية . فمصر العاصمة السياسية للمنطقة العربية واثيوبيا هى العاصمة السياسية لأفريقيا فأى توتر أو تردى فى علاقتيهما ينعكس على دول القارة كافة استقطاباً وتصنيفاً . وعلى ذكر الصراع حول المياه لابد من تحية وتهنئة نخص بها الدكتور ابراهيم الأمين الوزير السابق والعضو القيادي فى حزب الأمة والمهتم بالشأن العام واستشارى أمراض النساء والتوليد الذى ولدت اهتماماته وأفكاره سفراً قيماً هو كتاب « الصراع حول مياه النيل من يدفع الثمن » وحرّى بالقراء الاطلاع على المعلومات والتحليلات التى وردت فيه لعمقها وأهميتها لكل مهتم بشئون منطقته .