إعلان الحكومة مؤخراً عن فك احتكار المشتقات البترولية بأنواعها المختلفة، وزيادة تعرفة المياه لكل القطاعات بنسبة تجاوزت ال100% بحجة متابعة مصروفات التشغيل والصيانة، تعد ضرباً لحرية الإنتاج والتصدير في مقتل. فتلك الزيادات بالملخص هي زيادات على مكونات ومدخلات ومخرجات الإنتاج، ومردها بجانب الرسوم المفروضة على الإنتاج والمنتجين، هي غياب سياسات اقتصادية حكيمة ومنتجة وفعالة، عدم الكفاءة، غياب الرؤية الكلية، عشوائية التنفيذ، الإطار السياسي المحقق للاستقرار، الحكم الراشد، الكفاءة، النزاهة والشفافية حتى انتهى الحال بالجنيه السوداني، لأن تصبح قيمته الشرائية تعادل مليماً واحداً من قيمته قبل سبع وعشرين عاماً، كانت قيمة الدولار فيها تعادل 12 جنيهاً، بينما تعادل اليوم 12000 جنيه، وبدلاً من معالجة المشاكل الاقتصادية المتفجرة بموضوعية، تخلت الدولة عن مسؤولياتها تماماً تجاه مواطنيها تحت (غطاء سياسية التحرير الاقتصادي).. فالمطلوب هو أن يدفع المواطن ثمن كل السلع والخدمات. وبالمقابل تفتح هذه السياسات بمقاربة دور الدولة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية كتجربة دول شرق آسيا، التي دعمت التنمية وتسريعها وإعطاء الأولوية للاقتصاد مثل ما للسياسة وبالضد ما هو في البلاد من أسبقيات وأولويات غير اقتصادية، وعجوزات في الموازنة، وإن معدلات النمو الحقيقي لدخل الفرد سلبية على نحو فاضح، والموازنة بين الفوضى والمبالغة، بما يعني تثبيت منطق إجماع صندوق النقد الدولي في إجراءات الخصصة تحت تهديد بالإكراه، والاستيلاء على الأصول في عمليات التمويل الخفية من دون تضمين العمل الصحيح نتائج محدودة، بل أحياناً معرقلة ومختلة الوظائف، بينما نجحت تلك الدول في تأسيس آليات موارد بالتساوي، ونجحت في تنفيذ برامج واسعة للإصلاح الزراعي، وخلقت قوة شرائية في الريف أدامت طاقات التصنيع المحلي في معدلات ادخار عالية، بمنطق أن إدارة التنمية الاقتصادية الفاعلة والمستديمة تتطلب دوراً للدولة يكون فاعلاً.. وبالتحرير الاقتصادي أصبحت (دولة الرعاية الاجتماعية) غير مرغوب فيها لمواصلة قيادة التنمية ورعايتها، بل أدي انسحاب الدولة من المجال الاقتصادي والاجتماعي وفقاً لاستراتجية الاقتصاد الرقم الأمريكي الذي يجري إكماله على اختيار الصفر الواحد بمنطق: أنت معنا أم مع الإرهاب، وطالما أن أسواق البلاد متخلفة أو غائبة ومعلوماتها ناقصة، واقتصادنا يعمل برأسمالية مشوهة، وقطاع خاص ضعيف و بيروقراطية خدمة مدنية غير ذات كفاءة، واعتماد القروض والمنح.. ففي التجربة الآسيوية تولت الدولة دوراً مهماً في قيادة التنمية بتحويل مناطق متخلفة أساساً إلى قصص من النجاح (اندونسيا، تايلاند، اليابان، كوريا، ماليزيا، تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ)، وكانت عناصر النجاح في معدل الاستثمار العالي في رأس المال البشري والمادي، والتوزيع المتساوي للدخل والثروة، ولم تحل الدولة محل السوق بل أكملته، وأبقته في المكان الصحيح في منح الأسبقية للاقتصاد على السياسية، مما ولد استقراراً اقتصادياً كلياً شاملاً، ونظم الأسواق لضمان أدائها على نمو، كما أسس أسواقاً جديدة، ووجهت تلك الدول الاستثمار نحو النمو العالي، وخلقت بيئة مواتية للاستثمار الخاص، ووزعت الموارد على نحو أكثر تساويا، وقللت إلى الحد الأدنى من أي سلوك باحث عن الريع، كما خلقت نظام خدمة مدنية مستنداً على الكفاءة، بجانب إضفاء الطابع الاجتماعي على المخاطرة بزيادة الوصول إلى رأس المال، كان ذلك هو جوهر التنمية الباهرة التي طبقها الآسيويين دون تردد، وليس كما في بلادنا إذ أصبح المورد الوحيد المتاح الذي يمكن أن ينتج ويخلق الثروة، هو المنتج الذي أصبح هدفاً مشروعاً للجبايات، بل وفي كل نتائج اختلالات إدارة الاقتصاد يدفع ثمنها المباشر المواطن.