أكاد أجزم - رغم أنني لست ميالاً لاستخدام الأحكام المطلقة- أن أي مراقب للشأن السوداني سيندهش ويرفع حاجب الدهشة على الدوام؛ تعجباً لما يحدث في ساحات العمل السياسي بالسودان.. والنماذج والأحداث كثيرة و(مسيخة) لن يكون آخرها (تململ) الحركة الشعبية وتمردها على الشريك بالتحالف مع الخصوم، ثم تراجعها عن الخصوم المعارضين لتتفق مع الشريك مرة ثانية في أمر يعتبره البعض (صفقة سياسية) تم فيها بيع أحزاب المعارضة المتحالفة في (جوبا) بأكبر (دلالة) سياسية تعاملت فيها الحركة الشعبية بذكاء -تحسد عليه- حيث جعلت من هذه الأحزاب مطية لبلوغ الأهداف، ثم قفزت عن ظهرها حال بلوغ الهدف وتحقيق المراد! الأمر نفسه أرى أنه ينطبق على فصيل آخر عائد من التمرد هو حركة تحرير السودان أو ال«SLA» التي يقودها السيد مني أركو مناوي، كبير مساعدي رئيس الجمهورية، الذي يمارس عمله داخل القصر الجمهوري وحركته ما زالت تحمل السلاح حتى داخل المدن، وتقيم الندوات والليالي السياسية، وتفتح الدور مثل تلك الدار الفخيمة الضخمة في شارع الموردة، والتي تم التصديق بها لتكون نادياً سياسياً، لا ثكنة عسكرية، والحركة لم تتحول حتى الآن إلى حزب سياسي. الأحزاب والتنظيمات والحركات (سياسية ومسلحة) كلها تلعب على أكثر من حبل، ولا يعرف قادتها أن أحد هذه الحبال ربما التف على عنق الحركة، أو التنظيم، أو الحزب السياسي، فيقضي عليه.. وقادة هذه التنظيمات أصبحوا يتحدثون بأكثر من لسان، ويعتمرون أكثر من (قبعة)، ويلبسون أكثر من قناع، يخفون به الوجه الحقيقي لهم، ولتنظيماتهم وأحزابهم، ومثل هذا الذي يحدث هو الذي يثير الدهشة، ويجعل الحواجب مرفوعة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.. ومثال لما يحدث في ساحاتنا السياسية العامرة من (مدهشات) هو ظهور السيد مني أركو مناوي (أخيراً) ضمن قادة أحزاب تحالف جوبا وهو الرجل الرابع في هرم السلطة بالسودان، بعد السيد رئيس الجمهورية، ونائبيه، مما يولد أسئلة (مشروعة) و(حساسة) عن معنى هذا الذي يحدث.. وهل هو ناتج عن عدوى انتقلت إليه من الحركة الشعبية (الشريك المعارض) أم أن في الأمر (تبعية خفية) لا نراها، ظل السيد مناوي وجماعته ينكرونها طول الفترة الماضية.. والأسئلة (المشروعة) و(الحساسة) و(الحائرة) لا تقف عند هذا الحد.. لأن السيد كبير مساعدي السيد رئيس الجمهورية هو رئيس للسلطة الانتقالية لإقليم دارفور.. ليطل سؤال آخر حول موقف أعضاء السلطة من هذا الذي يحدث: هل هم على اتفاق مع رئيس السلطة أم أنهم لا يتفقون معه على الذي يحدث باسمهم؟ علماً بأن بالسلطة مفوضيات تتبع للدولة أو الحكومة، فهل تم إلغاء السلطة؟ أم تم تجميدها بواسطة الدولة؟ أم أنها لم تزل قائمة..؟ والمفارقات عديدة ومحزنة حيث ذكرت وسائل الإعلام قبل نحو شهر تقريباً أن هناك مجموعة خاصة من حركة تحرير السودان «SLA» تم تدريبها لحراسة السيد كبير المساعدين، وأصبحت قوة لا علاقة تربط بينها وبين الحركة إدارياً، وهذا الأمر يولد سؤالاً آخر من ذات النوعية.. وهو: هل تقوم الدولة بتدريب العناصر (المعارضة) ولا أريد أن أقول (المعادية) لتعمل على حماية قادة تلك التنظيمات المسلحة التي تقود المعارضة ضد الدولة؟ ونتساءل ببراءة (الغافلين) عن مصير القوات التابعة ل«SLA» والتي أكدت الأخبار تعاونها مع القوات المسلحة في الفترة الأخيرة بدارفور، هل ستكون تابعة للمعارضة ومنفذة لتعليماتها، وأوامرها وتوجيهاتها؟ وهي -أي المعارضة- تضم الآن رئيس الحركة أم أن تلك القوات ستلعب هي أيضاً (على الحبلين).. أم تختار المواجهة مع القوات المسلحة في دارفور؟ ونحن نعتقد أن كلا الأمرين مرّ وصعب لأنه يعني (النهاية) والانتحار السياسي.. والخروج من ساحات العمل السياسي.. والنص.