«خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" .. الآية (199) من سورة الأعراف ..! (1) عندما أتى سيدنا سليمان – الذي كان يفهم لغة الطير والنمل – وجنوده وادي النمل، قالت نملة (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)، فتبسم ضاحكاً من قولها وأمر جنوده بالوقوف حتى دخلت وجماعتها مساكنهم .. سيدنا سليمان كان يمشي وهو يسمع أطرافاً من أحاديث النمل وغيره، لكن الذي استوقفه في حديث تلك النملة أنها ذكرته «بالاسم» فاكترث لسماع الحديث وأتى بردة فعل لطيفة، ولو كان الذي يفهم لغة النمل عدواً له لكان ذكر اسمه مقروناً بذلك التحذير سبباً في هلاك النمل قبل أن يبلغ مساكنه .. دعونا نقيس: كم من فواتير اجتماعية وسياسية باهظة دفعنا أثمانها، والسبب تصريح سياسي أخرق أو نميمة اجتماعية جوفاء لا طائل منها ..! (2) على الرغم من كل تلك السير والبطولات ما تزال نجاحات النساء في مجتمعاتنا مقرونة بالدهشة وكأنها استثناء، والسبب - في تقديري - هو إصرار المرأة نفسها في معظم الأحيان على "تأنيث" حضورها الفكري والمهني .. صورة المرأة في العمل العام - كانت ولا تزال – تتأرجح بين نوعين من الحضور: تمثيل "نسوي" وتمثيل "نسائي" .. حضور قلق، متشكك، متربص بالآخر، يركض خارج الزمن .. وآخر متأمل، واثق، لا يحفل بالنوع بل يعمل للتاريخ ويؤمن بعظمة العقل الذي لا يحمل نوعاً .. سيدة تدعو بنات جنسها إلى الكفاح لأجل "التميُّز"، وأخرى ما تزال تدعوهن إلى الكفاح ضد "التمييز" .. على أن تورط المرأة في تأنيث حضورها العام لا ينحصر فقط في تأنيث السيرة والسلوك، بل يعبر إلى الأفكار والمنهجية التي تحكم أطروحات وقضايا النوع، من تأنيث الفضائل وتذكير الشرور، ولسان الحال جملة سعاد الصباح الشعرية الطائشة إياها: "إن الحضارة أنثى والطغاة ذكور" .. "أنسنة" الأفعال هي ترمومتر وعي المرأة والرجل على حد سواء، وهي مقياس مسيرة كل منهما على مدارج الفكر المستنير ..! (3) كيف تعرف بأنك أمام موظف حكومي ؟! .. حينما تقف أمامه فيقطب في وجهك وكأنهم أيقظوه من النوم كي يطفئ حريقاً، فضلاً عن لغة الخطاب التي تنذر بسوء العاقبة، وعروض المماطلة والتسويف، وتنحية معاملات أصحاب السراط المستقيم – من أمثالك - جانباً، والانشغال بمعاملات يجلس أصحابها للثرثرة واحتساء الشاي في مكتب السيد المدير! .. كيف تعرف بأنك تقف في طابور سوداني؟! .. الواقفون يتململون وكأنهم ذاهبون إلى المقصلة، الصفوف عشوائية، وهي أقرب إلى الجمهرة منها إلى الطوابير، الوجوه عابسة، ولغة الحوار تبدو عدائية قبل أن يعقبها في الغالب اندلاع شجارات مفاجئة لأسباب تافهة .. يحدث هذا في طوابير معاملاتنا الرسمية كل يوم، لذلك علينا أن لا نغضب عندما ينعتنا الآخرون بأننا "شعب عشوائي لا يحترم الطوابير"! .. لكن كيف نطالب بسيادة حكم الطابور إن كان الذي يخرق النظام – في مجتمعنا- هو المسئول نفسه!.. إذا أردنا أن تشيع فينا ثقافة احترام الطوابير، علينا أن نبدأ أولاً بفوضى السلطة التنفيذية .. وقوف المسؤولين في طوابير القوانين – شأنهم شأن بقية الشعب! - هو الذي يصنع حضارات الشعوب .. أليس كذلك؟!