لم يتجاوز عبد المطلب بن هاشم(جد المصطفى عليه الصلاة والسلام) وزعيم قبيلة قريش في الجاهلية.. الفطرة السليمة والحكمة عندما قال وقت إبلاغه بهجوم أبرهة ملك الحبشة بجيشه وأفياله على الكعبة المشرفة بغرض هدمها وتدميرها، قال عبد المطلب: أنا رب الإبل وللبيت ربٌ يحيمه.. وجمع أهله وماله وإبله وحصنهم في الجبال والشفيه ورأى (كيف فعل ربه بأصحاب الفيل.. وكيف جعل كيدهم في تضليل.. وكيف أرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل.. وكيف جعلهم كعصف مأكول) فوافق قوله على جاهليته حكمة المولى عز وجل وقدرته. هذا وقد أثبتت الوثائق التي حصلت عليها قناة الجزيرة، والتي تحتوي على محاضر جلسات المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية والتي لم يعد فيها كبير المفاوضين الفلسطينيين السيد صائب عريقات (الحرم القدسي الشريف خطاً أحمر) وتركه لأهواء الاسرائيليين الصهاينة، إلا من تحفظ على استحياء بأن توقف اسرائيل الحفريات تحت الحرم القدسي، ولسنا هنا بصدد استعراض ألف وستمائة وثيقة معروضة على موقع خاص، ومنشورة بصحف الغارديان والقدس العربية ببريطانيا، فذاك ما يحتاج إلى أسفار.. وبصرف النظر عن صحة كل الوثائق ودقتها إلا أن المؤكد في الغالب الأعم إنها صحيحة، إذ لم يصدر حتى الآن ما يشكك في مصداقيتها، ولم يتعرض الرئيس أبو مازن عند سؤاله عن ماورد فيها إلى تكذيبها، ولكنه احتمى بزملائه القادة العرب والذين قال عنهم إنهم كانوا على علم بكل ما جاء فيها، وبالتالي في المفاوضات.. وكذلك فعل صائب عريقات، فقال إن ما جاء في الوثائق ليس سراً وهذه مواقف تفاوضية (عرض وطلب)، ولابد أن موقف السيد أحمد قريع وغيره من المفاوضين مثل زملائه الذين تحدثوا بعد النشر والفضيحة المدوية في قضية العرب المحورية، والتي دفعنا فيها ثمناً باهظاً بتحمل المكايد والعقوبات والحرب بالوكالة، حتى أن بلادنا تحملت قدراً عالياً من الأذى طال حتى رئيسها المنتخب، والذي تطارده العصابات الصهيونية تحت ستار المحكمة الجنائية.. كل هذا العنت سيذوب مثل (فص الملح) إذا تهافتنا تجاه اسرائيل، ولو من تحت الطاولة، مثلما تفعل الكثير من الدول العربية والقادة العرب.. (ونحن قايمين بي نمرة أربعة في العداء لدولة الكيان الصهيوني) حتى أن جوازات سفرنا مكتوب (عليها) كل الدول ما عدا اسرائيل، ولا تشاركنا في هذا العداء السافر لدويلة اسرائيل أي دولة في العالم. لا نريد سفارة لاسرائيل في الخرطوم، ولا يسعدنا أن يخفق العلم الذي يحمل نجمة داود في سماء السودان، ولا نريد أن نكون الدولة الثامنة والأربعين في أفريقيا التي لديها سفارات إسرائيلية. إذا احتسبنا دولة الجنوب الوليدة بعد إعلان نتائج الاستفتاء رسمياً، فكما كنا آخر دولة في العالم تعيد علاقاتها مع جنوب أفريقيا بعد أن تولى الزعيم مانديلا رئاستها.. وهو الذي يحمل أول جواز سفر في حياته من السودان (فالنداء بيصلنا متأخر)، ولاحت أمام قادتنا أكثر من فرصة لاطفاء نيران الفتنة في دارفور، وحل مشكلة الجنوب، وطي ملف المحكمة الجنائية، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، وإطلاق حقوق السودان في صناديق التمويل الدولية.. وإنهاء الحصار الاقتصادي والعقوبات الأحادية، كل هذه الباقة من المغريات مقابل الاعتراف باسرائيل والتطبيع معها.. لكن موقف الرئيس شخصياً وحكومته كان هو الرفض بكل إباء وشمم (ثباتاً على المبادئ)، فاسرائيل دولة محتلة وغاشمة وظالمة سامت إخوتنا الفلسطينيين الخسف والعسف، ودنست المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.. ويبدو الآن إننا نسبح ضد التيار، ولن نغني مع شعبولا (أنا بحب عمرو موسى- أنا بكره إسرائيل) فالمكوجي ينطلق من سجيته وإيمانه بالقضية الفلسطينية، ولا يدري بأن السياسة لعبة قذرة لا ثوابت فيها، ولا مبادئ إلا المصالح والمصالح فقط.. إذ ليست هناك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة.. ولكن مصالح دائمة.. ومن أسف فإن ذلك المبدأ الميكافيلي هو السائد. سيدي الرئيس دعوا دماً ضيعه أهله، فلسنا من دول المواجهة، ولا حيلة لنا سوى أضعف الإيمان و (مكانه القلب)، وأرجو أن لا يقال لنا أن ذلك انهزام أو انبطاح أو هرولة، فتلك (الفاظ) لم يعد يعبأ بها أحد في عالم لا يعرف سوى المصالح، وللمسجد الأقصى ربٌ يحميه.. ولن نلوم أمريكا بعد اليوم بتخليها عن الضغط على اسرائيل لتجميد بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة.. فها هو المفاوض الفلسطيني يعتبر بقاء المستوطنات في القدس ضرورياً لأمن السلطة الفلسطينية على دولة فلسطين غير القابلة للحياة والسيادة. وهذا هو المفروض