كعادتي كل صباح اتصفح الصحف الصادرة اليوم ( امس ) : معظم الجرائد تناولت في صفحتها الاولى زيارة رئيس الوزراء المصري للخرطوم .. مواكبة خبرية وتحليلية لابد منها فالزيارة مهمة جدا والبلدان يفتحان بالفعل صفحة جديدة مليئة بالطموحات المشتركة .. لكن خبر منع ( صديق الهندي ) الذي انفردت به بعض الصحف كان الاكثر سخونة واثارة لذلك اعتلى ( المانشيتات الحمراء ) في الوقت الذي اعطت فيه صحف اخرى ( القرار الرئاسي بخصصة شركات حكومية ) الاولوية والصدارة فيما واصلت الجرائد المتخصصة في الشأن الجنوبي تركيزها على اخر المستجدات ( الحركة الشعبية تداهم مقر التغيير الديمقراطي وتعتقل قيادات الحزب في ود دكونة ) .. لكن ثمة عناوين نوعية وانفرادية اخرى استوقفتني ومنها ( كيان معارض من شباب الوطني داخل البرلمان ) و ( ياسيادة الرئيس الشعب يريد التغيير ) وهذا الاخير لم يكن خبرا ولااستطلاعا ولاتحقيقا وانما افتتاحية ورأي دار مضمونه حول قضية الساعة وهي ضرورة محاسبة الفساد ولصوص المال العام . عادتي الصباحية في مطالعة الصحف وخاصة عناوينها بحثا عن قضية تستحق ان تكون مادة لزاويتي اليومية لم تفلح كغيرها من المرات حيث يندر ان اجد بين هذا الكم الهائل من العناوين والاخبار مايستفزني للكتابة ليس لعدم اهمية ماهو مطروح ولكن ربما لقناعتي بان عشرات المقالات في اليوم التالي ستكون حول هذه العناوين البارزة وعلى نحو يختزل مساحات الاختلاف والمغايرة كثيرا .. واظن انه يمكن كسب الرهان منذ الان ان قلنا ان معظم مقالات الغد الصحفية ستتناول القضايا اعلاه .. مابين زيارة الوفد المصري ومنع صديق الهندي يليهما الاخبار الاخرى التي تتفاوت درجة اهميتها وفقا لرؤية كتاب الاعمدة والافق الذي يحكم اهتمامات كل منهم . البعض يسعى لتجاوز فكرة ان يكون العمود اليومي ردة فعل لعناوين بارزة .. يشتغل على مخيلته الخاصة او الوقائع المحيطة به .. يبوح باشيائه الذاتية .. يسرد هموم جيله ويحلم بالمستقبل .. وهذا كله ليس بمشكلة فالمشكلة كما كان يقول لي دائما احد الاصدقاء هو عدم وجود المشكلة اصلا او براوية ادق ( مشكلتك انك ماعندك مشكلة ) .. فان كان الامركذلك للكاتب فانها لمشكلة كبيرة حين لايجد مايستحق ان يكتب عنه !! الواقع ان من يكتب في العام او الخاص .. ماهو معلن او متخيل .. يسأل نفسه كل يوم ما اذا كان الناس يقرأونه ام لا ؟! هو في حالة تشكك مستمرة .. ينتظر ردود فعل كبيرة في زمن يسقط فيه الرؤساء كأوراق الشجر وتنقل فيه الفضائيات ثورات سلمية ومسلحة ومرارات ومجازر من ميادين الحياة العامة المعنونة بالحرية والكرامة والتغيير .. وكأن مايحدث امر طبيعي ومألوف .. فكيف نستعيد الدهشة في زمن اللادهشة .. واي كتابة تلك التي يمكن ان تعصف عقول البشر وتجعلهم يوقفون ساعة الزمن لدقيقة واحدة حتى وان كانت حدادا على اعمارنا التي سرقت منا في وضح النهار !! من يكتبون لايسألون انفسهم فحسب بل يسألون من حولهم ايضا : هل حقا اصبحتم تكرهون السياسة ولاتحبون قراءة مايكتب عنها ؟! لكن السياسة ايها السادة تتدخل في كل التفاصيل سواء جاءت بالباب او من الشباك ؟! مالذي تحبون قراءته اذن .. ؟! المؤكد ان الاجابات ستختلف وتتنوع .. فالمزاج العام هذه الايام معكر الى حد كبير .. وعدوى ( التغيير ) جعلت الكثيرين يصابون بالملل من كل شيء روتيني وقديم ورتيب .. هل هم بحاجة الى جرعات اضافية من التفاؤل والامل ؟! ام الى خفة ظل تعيد الضحكة المفقودة والابتسامة الغائبة ؟! ربما هم بحاجة الى ( الرومانسية ) وقصص الحب التي لاتحدث الا في الافلام والروايات القديمة .. هل هو الحنين الى الماضي .. الى ( الابيض و الاسود ) .. ام هو مطلب ( التغيير ) يطال الكتابة نفسها ؟! فليس مستبعد ان يخرج القراء يوما في ثورة ليهتفوا : القاريء يريد اسقاط الكاتب ؟! وماالغريب في ذلك الم يتنبأ مفكرون بنهاية المبدع والكاتب والتاريخ واشياء اخرى ؟! ماوراء اللقطة : اكملت العمود اليومي دون ان احدد عن ماذا اكتب .. لأكتشف ان الاجابة على هذا السؤال ( المشكلة ) يمكن ان تستغرق كل هذا الحيز .. ورغم ذلك اشعر ان هذا الموضوع المعقد والشائك مازال محشورا في زاوية ضيقة جدا ويحتاج الى فضاء ارحب واوسع .. ولننتظر صحف اليوم لنعرف اتجاهات الكتابة ومساحات الاختلاف رغم اننا محكومون بحزمة من الاحداث والاخبار التي تفوح منها رائحة السياسة .. ونكتشف كل يوم ان الخيارات محدودة واماني من يقرأون تتجاوزالمكتوب والمقرؤ كثيرا .. كثيرا .. !