ليس البشر وحدهم من يلجأون الى تجميل وجوههم بالعمليات الجراحية .. فهناك ايضا ( حكومات ) تدفع المليارات من اجل تحسين صورتها امام الرأي العام الداخلي والخارجي .. واميركا حين تأكدت من كراهية العالم لها ظلت تطرح سؤالا كبيرا وهو : لماذا يكرهوننا ؟! واعترفت لاحقا بأنه لابد من اجراء عمليات ترقيع وترميم لسياستها الخارجية التي تقابل برفض واسع من المجتمع الدولي .. فصرفت مبالغ طائلة على تجميل وجهها القبيح واستعانت بخبراء علاقات عامة لتسويق بضاعتها السياسية وتلميع اجندتها الخارجية .. كما انشأت فضائيات ناطقة بالعربية لنقل صور اجمل عن اميركا .. وقبل كل ذلك اتت بأول رئيس ملون من جذور افريقية لتؤكد انها دولة المساواة التي لاتظلم احدا ولاينبغي بالتالي ان تقابل بكل هذه الكراهية !! وجه امريكا القبيح كلفها الكثير ورغم ( عمليات التجميل ) المستمرة لكن مازالت هناك نتوءات سوداء لايمكن معالجتها بين يوم وليلة .. فغزو العراق بذرائع كاذبة ومضللة والتدخل في افغانستان بطريقة غير شرعية سيظل يبطل مفعول كل المساحيق ويسقط مختلف الاقنعة التي دأبت على وضعها السيدة الاولى .. كما ان احتضان اسرائيل واستخدام ( الفيتو ) لحمايتها سيجعلها تبدو دائما بوجهين وتتحدث بمعيارين مما يصعب التعامل معها وقبولها كطرف محايد وراع للسلام ومدافع عن الحقوق !! وليس اميركا وحدها التي ( تتجمل ) فالدول العظمى والكبرى في اوربا تسير في ذات الدرب المؤدي الى غرف العمليات ومن يراقب التدخلات الاوربية الاخيرة لصالح الثورات العربية يكتشف ان العالم المتقدم والمتحضر يحاول الان ان يضع قناعا جديدا لسياسته الخارجية يتطابق مع شعاراته المنادية بالحرية والعدالة والكرامة .. لكن من يدقق اكثر فيما وراء هذا القناع سيفضح مجددا ان ( لعبة المصالح ) و ( استراتيجية التوازنات ) مازالت حاضرة وقائمة مهما تخفت وتلونت وتجملت !! العالم كله افرادا وحكومات يسعى لتحسين صورته سواء عن قناعة او لمجرد ذر الرماد في العيون .. فالوجوه القبيحة منبوذة ومنفرة وتفضي لعزلة قاتلة .. وهذا الحراك لم تكن الحكومات العربية بمعذل عنه .. لكن معظمها دخل الى غرفة العمليات بعد فوات الاوان فسقطت بوجهها القبيح قبل ان يمتد اليه ( مشرط ) التجميل .. واخرى تلهث الآن لدفع كل ماتملك ليس لتغيير وجهها فحسب وانما جلدها ايضا .. وطقوس التودد والتقرب التي اقدمت عليها الانظمة التي مازالت تتحكر على كراسي السلطة هي جزء من ( عملية تجميل ) تأتي في الوقت الضائع ولايمكن التأكد من نجاحها في ظل موروث ضخم من المرارات والعذابات جعلت شعوبها ترى كل شيءمن حولها قبيحا وغير قابل للتجميل !! انها عملية مكلفة كلما جاءت متأخرة ومتخبطة .. ولا تؤدي في كل الاحوال الى ( الجمال المنشود ) اذ لربما قادت الى (منتهى القبح ) حين تفتقد الى مصداقية التغيير وجدية التحول .. وتراهن على حالة ( العمى ) التي يمكن ان تصيب عيون الشعوب فلايرون شيئا ولايميزون بين الجميل والقبيح .. وعندما يكون التذرع بالكلفة الباهظة والثمن الفادح لاجراء عملية تجميل للانظمة الحاكمة التي ترى انها اولى بالمداخيل القومية من صرفها على جراحات مؤلمة تطال من يحكمون وتعجبهم وجوهمم كثيرا امام المرايا التي ظلت تكذب عليهم ولاتريهم حقيقتهم وتعكس فقط بريقا خادعا ومزعوما لايعجب الا اصحابه وربما المقربون منهم والمعتادون على القبح !! ماوراء اللقطة : النساء اكثر حرصا من الرجال على ( مساحيق وعمليات التجميل ) وهن على استعداد دائم لدفع كل مايملكن من اجل ان تظل وجوههن جميلة .. فلماذا لايستعين العالم بخبرتهن الطويلة في هذا المجال؟! .. فالمرأة لا تسمح بالتجاعيد ان تتسلل الى وجهها وتحرص على نضارة وتجدد بشرتها اولا بأول وليس بعد فوات الاوان !!