وللمرة الألف.. أعود.. مجدداً إلى الشاعر المتنبئ.. وللمرة المليون ... أكرر .. وأعلن أن هذا الشاعر.. هو ملك الكلمة.. وسلطان التعبير.. ومهندس روعة المباني.. وأمير الحرف.. والحق والشهادة لله.. إني وأنا أقرأ له.. يوماتي.. أحس ... بالألحان والأنغام يتردد صداها في صدري.. كالمزامير .. بل أحس أحياناً.. أن شعره.. ينساب.. متموجاً.. كما ينساب الماء على الجدول.. هنا في شاعريته الفذة.. وجنونه العربيد.. عندما يصطاد الحروف.. من الفضاء.. ويرسم بها روعة اللوحات فتبدو وكأنها منظومة من حروف غير التي نعرفها من الحروف.. ونشهد إنه قد وجد مفاتيح اللغة العربية الشاسعة.. فأدارها لتنفتح له كنوز المعاني والحروف والكلمات.. تلك الخزانة التي استعصت حتى على من سبقوه وزاملوه.. ولحقوه من فطاحلة الشعراء. أعود له.. وبيت من الشعر.. يصور في جلاء.. في نصاعة.. في إبانة .. في إيضاح.. حال الأمة العربية قاطبة.. لا استثني.. دولة.. ولا قُطراً .. لا فرق بين ملكية.. أتاها الملك فصارت البلاد بأسرها.. بإنسانها.. وحجرها.. وشجرها.. وحيواناتها.. وظاهر أرضها وباطن ثراها.. ملكاً مشاعاً.. وحكراً مطلقاً.. للعائلة السعيدة..وأبنائها.. الذين يولدون.. في مهاد الترف ويتقلبون .. في مخمل النعمة.. وأفواههم.. يأتيها أطيب الطعام.. وكأنهم في جنات تجري من تحتها الأنهار.. يأتيهم.. على ملاعق من الذهب.. والذهب هنا... حقيقة وليس مجازاً.. وكذا.. الإمارة والأمراء.. وليس اسماً ... لا تسبقه صاحب الجلالة.. أو الفخامة.. أو حتى سمو الشيخ أو الوزير.. أو الأمير.. والذي.. يحشى الفؤاد ويفرم الكبد.. أن نفس الحال.. ينطبق تماماً .. على الدولة الجمهورية.. التي تدعي.. زوراً وإفكاً وبهتاناً.. صفة الجماهير.. والجماهير بريئة من ذلك التدليس.. وذاك الانتحال.. صحيح إن الحكومة تطلق عليهم الجماهير.. ولكن لا أجد أصدق من(الجبرتي) الذي يكتب بحد السكين وأصفاً لهم..(بالرعاع) وهاهم مثل ذلك.. وأحياناً(العوام) وهم الذين يصنعون التاريخ.. ومرات الغوغاء.. وهم(أسطوات) البناء والمعمار...وصنع الحياة على سطح الأرض.. وحتى نجيب محفوظ.. ذاك الذي أبهر العالم.. بإبداعه وآدابه.. وقصصه.. ينعتهم بالحرافيش.. نعم .. نظرت في حال الأمة العربية.. والسودان.. في قلبها.. ولم أجد وصفاً يصوّر حال شعوبها.. وجماهيرها.. أو عوامها.. غير ذاك البيت من الشعر الذكي.. الذي كتبه بل شدا به أو بكى به.. أو انتحب .. وهو يختلج مطوحاً على ظهر ناقته يضرب في بيداء.. محرقة تشوبها الشمس اللاهبة وذلك بعد أن (قنع)من خير في كافور.. وكان قبل الأوان.. قد أتاه بعد أن(زهج)من وعود سيف الدولة.. يحمل آمالاً بعرض صحراء تهامة.. وعلو جبال نجد.. متمنياً أن يجد عند كافور ما لم يجده عند سيف الدولة.. فكان أن قبض الريح.. وآماله ذهبت تذروها الرياح.. فأنشأ.. ذاك الهجاء المفزع المر.. في كافور.. وكانت القصيدة الملحمة.. التي تصور النفس البشرية.. عندما يلفها الهوان.. وتسربلها المهانة والانكسار.. وكيف هي اليد السفلى ذليلة وضيعة تحت رحمة اليد العليا.. وكيف هو الإنسان.. ليس أكثر من حشرة.. إذا ظل طوال عمره..راكعاً بلا حيلة أمام.. السلاطين.. وملوك وأساطين البلاط.. وكيف أن التسول.. والوقوف.. خنوعاً في انتظار هبات فوقية تأتي.. أو لا تأتي.. ولعل أروع بيت في تلك القصيدة.. هو البيت الذي أنا بصدده الآن.. وهو .. أمسيت أروح مثر خازناً ويداً أنا الغني وأموالي المواعيد.. يا لروعة هذا الوصف.. ويالفداحة.. الفجيعة.. وحصد السراب.. وإلى هنا نترك المتنبئ.. ليرتاح في قبره.. لنذهب.. غداً.. إلينا نحن الأحياء.. وكيف أن أموالنا.. هي المواعيد.. ********** استدراك.. واعتذار وكتبنا بالأمس.. عن حركة تحرير أم درمان.. كتبنا.. عن إنجابها.. لأربعة رؤساء حكموا السودان لم نورد اسم المشير الراحل جعفر نميري.. وفي أخلاق الفرسان .. نعتذر عن ذاك الخطأ غير المقصود.. والتاريخ.. لا يهمل ولا ينسى ولا ينام.. نعم هو من قلب أم درمان.. ومن (صرة) أم درمان ودنوباوي.. وقد حكم البلاد ستة عشر عاماً.. متواصلة.. وبذا يكون.. خمسة من أبناء أم درمان.. من حكموا السودان.. ومرة أخرى نجدد اعتذارنا.