تشرفت قبل يومين بزيارة كريمة من أستاذنا وأستاذ الأجيال الصحفي الكبير إدريس حسن، رئيس تحرير صحيفة (الوحدة) حالياً، ورئيس تحرير صحف يومية سياسية عديدة قبل ذلك.. ودائماً تظهر سعادتي الكبيرة عندما التقي أستاذنا الكبير إدريس حسن، سواء في مناسبة عامة أو خاصة أو في السفر.. بمعنى أنني أسعد بلقائه في الحل والترحال، لأنني أشتم فيه رائحة الماضي الجميل، ومنزل السيد الوالد الأستاذ محمود أبو العزائم - رحمه الله- الذي كان منتدى وملتقى للساسة والصحفيين وأهل الإعلام والفنون والثقافة ورموز المجتمع، وكان أستاذنا إدريس من الذين تعرفت عليهم وأنا طفل بعد، في منزلنا ذاك بشارع كرري في أم درمان. وأسعد أيضاً بلقاء أستاذنا إدريس لأنه كنز من القصص، والأحداث، والحكايات السياسية والصحفية والعامة، عاش أكثرها وشارك في العديد منها، وظللت لزمان طويل استدرجه ليكتبها- ولو بالقطاعي- في شكل مقالات ليجمعها بعد ذلك في كتاب، فكان يعِد مع ابتسامة - نادرة- وأنا أعلم أن ظروف الحياة وقسوتها و(لقمة العيش) ستمنعه من الوفاء بما وعد به مع تلك الإبتسامة. ثم أنني أسعد بلقاء الأستاذ إدريس حسن لأنه يبدو لي سعيداً عندما يراني، ويأخذ في سرد الحكايات عن أبطال الزمن الجميل الذي عاشه، فهو يعرف أنني أعرفهم جميعاً أو قل أكثرهم على الأقل، وهو يحتج دائماً بتكشيرته الطبيعية على أن (أولاد الزمن ده) كثير منهم لا يرتبط بماضيه. في آخر لقاء بيننا قبل يومين، قال لي الأستاذ إدريس حسن إنه وبعد ثورة اكتوبر 1964م بزغ نجم السيدين الصادق المهدي والشريف حسين الهندي، فتعلقت بهما آمال شباب الوطن آنذاك وآمال شباب جزبيهما، ليكونا خلاصاً جديداً، ومرحلة أخرى مضيئة نحو مستقبل السودان الذي يتجدد بالدماء الشابة، والأفكار غير التقليدية، لكن برز في طريقهما أعداء النجاح.. ويعتقد أستاذنا إدريس أن أعداء النجاح موجودون في كل مكان، وأن مصيبة القادة أو الرموز - دائماً- هم الأكثر قرباً والتصاقاً بالزعيم، أي أن الأقرب إلى القلب هو الأقرب للأذن، وبمعنى آخر أنه يستمع لمن يحبهم أكثر ويعمل بما يرونه هو الصواب. توقفت عند هذا القول كثيراً، رغم أنني كنت أرى أن نجوم اكتوبر 1964م، كانوا أكثر من إثنين، منهم المرحوم عمر مصطفى المكي، والدكتور حسن الترابي، إذ كانوا يمثلون جيلاً جديداً في الأفكار والتوجهات، وأستاذنا إدريس يعترض على ما ذهبت إليه، رغم أن هذا حقي وذاك حقه. ما علينا... توقفت عند ذلك القول، وأرى أمامي خارطة بلادنا السياسية التي تتجدد فيها الأفكار والأشخاص، إذ إن الأمل دائماً ما ينعقد على الأفكار أولاً، ثم الأشخاص ثانياً؛ لأن الفكر العظيم إذا وجد القيادة الرشيدة فإنه هو الذي يسود، لأن الأمة كلها ستتوجه نحو المستقبل، وإذا ما توجهت الأمة نحو المستقبل ضمنت البقاء والتطور. وقادني ذلك النقاش إلى التأمل في واقع بلادنا، وإلى طرح السؤال القديم الجديد: ( هل نحن أمة ضد النجاح؟).. ولماذا ننجح في الخارج ونحارب في الداخل(؟)، لماذا يعتبر المواطن السوداني هو الأفضل، مقارنة بغيره خارج وطنه ولا يجد فرصة للنجاح في بلاده؟. الإجابة يعرفها الجميع وهي.. أن المسؤولية بالدرجة الأولى تقع على عاتق السلطات - أي الحكومة- من خلال تحديد الأهداف ورسم السياسات المحققة لها، بوضع المعايير الصارمة والضوابط المحكمة للنجاح، باحترام قيمة الزمن واحترام العمل كقيمة حضارية، وحسن توظيف الطاقات البشرية، والإمكانات المادية والفنية، في إطار الزمن وصولاً للتميز، كلٌ حسب طاقته وإمكاناته.. عند ذلك سيشعر كل واحد منا بأنه ناجح في عمله.. يسعى للتجويد دون أن يلتفت إلى فعل الغير، وستعلو لدينا قيمة العمل الجماعي المرتبط بعضه ببعض. أحيي الدولة ( المفكرة) والمخططة، ممثلة في الشخوص والرموز في كل موقع من المواقع؛ لأن هذا هو بداية النجاح الحق، الذي يقودنا إلى المستقبل، وتحية خاصة للأخ الأستاذ كمال عبد اللطيف، لأنه من المهمومين بهذا الشأن.