وبالأمس كنا في كسلا.. والأرض تئن من ثقل الحشود.. والفضاء تمزقه أصوات وهتافات وهدير الجماهير.. المحبة.. الوفية.. الصادقة.. التي لم يدفعها أحد.. ولا عبأها فرد.. ولا استأجرها مقاول.. كانت تجدد ولاءً.. ما اهتز يوماً ولا تبدل مرة.. ولا غاب لحظة.. وكأنها.. تردد (هواك برضاي ما جبري).. يدخل مولانا كسلا.. دخول الفاتحين.. وكأنه (ديجول).. في ميدان الكونكورد.. قريباً من (إيفل) تحت قوس النصر بعد أن اندحرت حكومة (فيشي).. ودرس آخر تستوعبه الحكومة.. ولكن بعد عشرين سنة وتزيد.. فقد عاش الأحبة الإنقاذيون.. في بحور الأحلام والأماني.. وكتابهم.. والمؤلفة قلوبهم من حملة الأقلام الراعشة.. ما فتئوا يرددون صباح مساء.. أن قواعد الأحزاب التقليدية قد انفضت من حول قيادتها.. وأن الزمان والإنقاذ.. قد مسحت والى الأبد.. عضوية تلك الأحزاب.. فكان درس كسلا.. وللدرس بقية.. ولكن في الشمالية.. التي تعد الآن زينتها وتلبس مفتخر الثياب.. للقاء أبوهاشم.. ونذهب الى حزب الأمة رمز القوة.. ونرجع ونراجع إرشيف الإنقاذ.. لنجد بحاراً من السخرية.. وتلالاً من السباب.. وأنهاراً من الإفتراء.. وكل ذلك لا يهم.. المهم أن الإنقاذ اعتقدت يوماً.. في (مسكنة).. أن (كم) حافلة (مستفة) بالمواطنين.. وعلى رأسها السيد عبد الله محمد أحمد.. هي إعلان على أن جماهير الأنصار وحزب الأمة قد انضمت الى الإنقاذ.. وهدأت (فورة اللبن).. ولم تنضج الطبخة.. ولم تؤكل.. ثم مواطن آخر تتلقفه الإنقاذ.. من غمار الناس.. ليسجل باسمه حزب الأمة.. وهو لذاك الحزب رئيس.. ولا تعرف.. أين الرجل الآن.. ثم تنسى الإنقاذ الرجل وحزبه.. و (تمسك) في الزهاوي.. ثم مسار.. ثم مبارك الفاضل.. ولا تقبض سوى الريح.. وزيارة واحدة الى جامع ودنوباوي في أي صلاة جمعة.. كفيلة بإقناع الإنقاذ.. إن حزب الأمة هو حزب الأمة.. قبل الإنقاذ.. وخلال حكم الإنقاذ.. وحتى اليوم.. ملايين الأنصار.. يصطفون خلف قيادتهم التاريخية.. وهو الصادق المهدي.. أما أكبر دليل على أن الحكومة.. قد (قام) نفسها.. هو تلك السيول من الشتائم.. والسباب المتدفق كما الشلال.. ضد الأحزاب التي أقسموا برب البيت.. أنها اندثرت وطمرتها الرمال.. وراجعوا.. الخطب.. المنفلتة.. من رموز الإنقاذ.. التي تقدم نفسها للمواطنين.. طمعاً في كسب أصواتهم.. لمناصب الولاة.. أو الدوائر الجغرافية.. لتسمعوا.. حديثاً عجباً.. نصفه.. سباب.. وربعه وعود.. والربع الآخر.. استقطاب و(شحدة) المواطنين أصواتهم.. واذا كانت هناك حسنة واحدة للانتخابات.. هو.. ذاك النزول القسري الى المواطنين.. من أبراجهم العالية العاجية المشيدة.. واذا كانت هناك ثمرة حلوة واحدة من ثمار الانتخابات.. هو الاعتراف بأن الشعب هو السيد مهما تكسرت عليه النصال والرماح.. يكفينا كثيراً.. أن الحكومة قد اعترفت أخيراً وأخيراً جداً.. بأن مفاتيح الوطن.. أبداً.. أبداً.. في أيدي شعبه.