لا يملك الجيل الحالي من الشباب إمكانية «تفكيك» العنوان أعلاه، مما يضطرنا إلى الشرح.. فقد كانت من ماركات أشهر الروائح والعطور، ولعل بنت السودان لا تزال محتفظةً بموقعها وإن ارتبطت بمناسبتين لا ثالث لهما وهما صناعة «الخُمْرة» إذ أن بنت السودان إحدى مكوناتها.. والثانية تجهيز الجنازة وشتَّان ما بين العرس والبكاء.. لكن بنت السودان تجمع بينهما مثلما تجمع «بنت القسيس» بين الحركة والمؤتمر الوطني.. وهنا أنا لا أقصد ماركة العطر الشهيرة ولكنني أقصد الدكتورة تابيتا بنت القس بطرس شوكاي. في لقاءٍ له نشرته هذه الصحيفة تحدث د.كمال عبد القادر وكيل وزارة الصحة الاتحاديه عن وزيرته د.تابيتا وطريقة عملها في الوزارة وتجردها من رداء الحزبية الضيِّق.. عقدت اتفاق «جنتلمان» مع أركان وزارتها للتجرد من الانتماءات الحزبية والعمل من أجل أن تكون وزارتهم وزارة «صحة» وليست وزارة «مرض»، أوكما قال د.كمال عبد القادر الذي يدير عمله بمنتهى التجرد والإخلاص والالتزام ومثله الدكتور حسن أبو عائشه الرياضي الأديب الشريف الحسني النسب، «وأبو عائشة ده كوم براهو».. د.تابيتا مايسترو بارع وشخصية سودانية تعد مفخرة لبنات جنسها وما إن ترافق السيد الرئيس في رحلاته الداخليه حتى نلاحظ الترحيب والإعجاب بها يفوق حد الوصف.. تتسابق النساء والفتيات للحاق بالدكتورة تابيتا لمجرد السلام عليها والحديث معها وهي تبادلهن حباً بحب.. يا تابيتا دايرين نسلم عليك.. تصيح الفتيات.. يادكتورة عليك الله صورة.. يا تابيتا.. يا تابيتا ينادي السيد الرئيس وهو ممسك بالمقص لقص الشريط التقليدي إيذاناً بافتتاح مستشفى أومركز صحي.. ولا يشرع السيد الرئيس في مراسم الافتتاح إلا إذا تأكد بأن د.تابيتا تقف إلى جانبه وفاءً وعرفاناً لدورها في هذه الإنجازات وتابيتا تتأخر دوماً بسبب الزحام الذي يحيط بها من «المعجبات» أما المعجبون «وأنا منهم» فيلاحظون وقارها وأناقتها وجديتها حتي أنني أقول: إنها إحدي حسنات اتفاقيه السلام الشامل فلولا تلك الاتفاقيه لما تعرَّفنا على عنصر نسوي قيادي.. وتنفيذي hard worker مثل د.تابيتا.. وما الهجمة الجائرة التي تعرَّضت لها مؤخراً إلا دليل على قوة شكيمتها والثقة التي تستند عليها والخبرة التي اكتسبتها من خلال سنوات عملها في حكومة الوحدة الوطنية بلا انقطاع.. في مراسم تشييع الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري من أستاد ودنوباوي إلى مقابر أحمد شرفي، كنت أسير بالقرب من د.تابيتا وهي تغبر قدميها وتذرف دمعاً سخيناً وهي تقول «والله نميري كان أبونا كلنا.. مما فتَّحنا عيونا لقينا الرئيس القدامنا هو نميري.. وبدون سياسة وأحزاب نميري ده عمل كثير عشان السودان وعشانَّا نحن السودانيين.. عشان كده أنا حزينة بالجد خاصة أنا بت أم درمان».. وهذه مشاعر إنسانيه خالصة لا تصدر إلا عن إنسان لم تفسد التقسيمات الحزبية دواخله وهذا ما يعطينا صورة واضحة عن كيفية تواصلها وتعاملها مع بقية القضايا.. ولعل من أبرز القضايا التي جابهت د.تابيتا في عملها هي قضية إضراب الأطباء.. وقد كان لهم «في البدء» قضية عادلة جداً وهي حقوق واجبة السداد بل ومن العيب أن تتأخر عن موعدها مثل المرتبات والعلاوات «علاوة التدريب الموحدة».. وتطوَّر الأمر ليتخذ منحىً سياسياً.. وركب الموجة «الدايرين يعيشوا زمنهم وزمن غيرهم» ممن عفى عليهم الزمن وفاتهم المركب « ياها دي المركب الداير يركب مليون مرحب والماب يركب شرب المقلب» كما يقول الشاعر المجُيد حاتم حسن الدابي. د.تابيتا تقول «أصلو عوض الجاز ماقصَّر معانا» المتأخرات والمرتبات صُرفت والميزات يجري تحسينها والأوضاع المعيشيه تُدرس أحوالها.. وتعيين الدفعة «24» مستمر.. وحافز الأطروحة خمسه مليون بالقديم.. والمشاكل كلها في طريقها للحل «بالهداوة». أثارت ذكرى الروائح فينا أشجاناً.. روائح جنائن السيد علي.. والفلوردامور.. وسواردي باريس.. وقلامور.. والصاروخ.. واحد مصري قال: السودانيين دول عندهم حاجات عجيه.. يسموا الكبريت «أبو وردة» ويسموا الريحة «الصاروخ» وهذا هو المفروض..