اتخذ الشعب قراره الانتخابي المعلوم لدى الكافة أكثر من مرة قبل الدخول في أولى مراحل العملية الانتخابية: مرة عندما خرج عن بكرة أبيه يعبر تلقائياً وبلا تعبئة، عن تمسكه بقيادة البشير فور سماعه لنبأ (الجنائية) سيئة السمعة، ومرة عندما اعتزل مواكبكم الاحتجاجية إلى المجلس الوطني، فلم يستجب لما خطط له من انتفاضة شعبية، وآخر المرات هي الحملة الانتخابية الجارية التي مر ثلثاها، فاكتشفتم أن هذا الشعب قد تغير لغير مصلحتكم، وذلك بالتفافه حول البشير في سائر عواصمالولايات، حتى الجنوبية، وبالتأييد المطلق لتجديد التفويض الانتخابي له من سائر القطاعات، والفئات والجماعات. ولا ريب أن البعثات الدبلوماسية بالخرطوم لها عيون تراقب، وآذان تتابع، ورصد دائم لمجريات الأحداث، خصوصاً ما يتصل منها بالانتخابات.. فالمجتمع الدولي يهمه أن يعرف الأحجام الحقيقية للقوى السياسية الناشطة، حتى يبني عليها مخططاته وسياساته.. من هنا جاء تقدير المجتمع الدولي، ومنه أمريكا، لحتمية فوز البشير بنسبة عالية قد تصل إلى 80%، وهذا يعني أن هذه القوى السياسية مجتمعة عاجزة تماماً عن اسقاط البشير، حتى من الجولة الأولى.. وتوارى عندها احتمال تزوير الانتخابات مع الشعبية الكاسحة التي يتمتع بها البشير، بلا منافس يعتد به، سواء من القوى التقليدية أو من القوى التي تطرح نفسها كبديل جديد. لقد اسقط هذا الشعب نميري بالانتفاضة، عندما فقد مقومات البقاء في آخر عهده، بينما ليست هناك قوى حزبية تستطيع اسقاط هذا النظام، وهو في قمة قوته، ويملك فرص البقاء والاستمرار حتى لو اجتمع شتيتها في تحالف عريض ضده، ذلك بأن العقل الجمعي لهذا الشعب قد أدرك إفلاس القوى الحزبية من برامجها الانتخابية، التي ليس لها هم سوى نقد النظام دون تقديم بديل مقنع له. وكان أكبر مظاهر افلاسها مطلبها الاستحالي بتأجيل الانتخابات، التي لم يبق لموعدها سوى أيام قلائل. والشعب يرصد هذا المطلب الخارج على الدستور والعرف، والبعثات الدبلوماسية تتابع هذا المسلسل اللامعقول، الذي لا يعطي حساباً لسمعة البلاد، وكأن هذا التحالف ينازل المؤتمر الوطني في غرفة مغلقة معزولة عن الرأي العام المحلي والخارجي!!.وهناك مؤشرات عدة تحسب لصالح التطور الديمقراطي، جراء ما كشفت عنه الحملة الانتخابية من تفوق جماهيري مشهود للبشير والمؤتمر الوطني على منافسيهما، منها: 1/ إن المرشح الرئاسي الأوسع فرصاً في كسب الانتخابات، هو وقيادات حزبه قد خرجوا من بسطاء هذا الشعب، لا يسندهم سوى كفاياتهم الذاتية التي حققوا بها مكاسب كبرى لهذا الشعب، ولأجياله الآنية والآتية، وهذا تحول ديمقراطي نوعي. 2/ إن الشعب كما نستبين من الحملة الانتخابية، قد أدار ظهره للقيادات ذات الإرث الطائفي، التي عجزت في ماضي حكمها عن تقديم أي مكسب شعبي، وهو ما يحمل مضمون التحول الديمقراطي من عهد المواقع المقفولة للنفوذ الطائفي إلى عهد التنافس الحر المفتوح أمام سائر المواطنين، مما يمثل (السودان الجديد) بحق وحقيقي. 3/ إن التغيير الذي أحدثته هذه القيادة الجديدة المتجددة في الحياة العامة، هو الذي يؤهلها للاستمرار في قيادة البلاد، عن تجريب وليس عن تنظير، وعن التصاق بالواقع، وليس عن قفز في المجهول.. وهو التغيير المرغوب وليس التغيير المكذوب، الذي تتمسح بشعاره القوى السياسية الأخرى التي ليست لها رصيد من حركة التغيير. 4/ إن التحول الديمقراطي يجري على يد من يمارس الديمقراطية داخل حزبه، سواء بالممارسة المؤسسية أو بالتماسك التنظيمي، وهو ما يرشح المؤتمر الوطني لهذا المبدأ، بامتياز دون القوى السياسية الأخرى. 5/ إن كاريزما شخصية البشير قد أطفأت بريق الشخصيات المنافسة من حوله، وذلك ليس من فراغ، وإنما بما يحمله من رصيد المكاسب، ومن قوام الخصائص، وهي خصائص ذاتية تمثل الشخصية السودانية ولا تتجاوزها أو تشذ عليها. 6/ إن المؤتمر الوطني تنظيم مجمعتي تبدأ حركته من قاعدة المجتمع صعوداً إلى قمة الدولة، فنشاطه يومي وملتصق بهموم المواطنين، وليس تنظيماً سلطوياً يتحرك في موسم الانتخابات لكسب الأصوات، ومن هنا حيويته وتفاعله الجماهيري المستدام.. ولذلك هو قمين بقيادة التحول الديمقراطي الجاري الآن على أشده. 7/ وإن التحول الديمقراطي يرتبط عفوياً بترشيد التجربة الديمقراطية، حتى تواكب ما يجري حولها من متغيرات، وتستوعب ما يدور في محيطها من مستجدات، ومن هنا نشأ قانون الأحزاب وقانون الانتخابات في سبيل إرساء ممارسة حزبية راشدة، وحكم راشد.وقد كان نتاجاً لهذه الخصائص التي يتمتع بها المؤتمر الوطني، وتتمتع بها قيادته، أن صارت نتائج الانتخابات محسومة سلفاً لصالحه، سواء لدى الرأي العام السوداني، أو لدى المجتمع الدولي، الذي يرصد هذا التطور الديمقراطي الجاري على الساحة السياسية، فنحن لسنا وحدنا. والله المستعان