في بدايات التسعينيات أسدى الصحافي اللبناني يوسف خازم نصحاً لشخصي بالإبتعاد نهائياً عن الذاتية والإنصراف كلياً لخدمة الحقيقة وحدها، ويوسف خازم كاتب لبناني أنيق العبارة رشيق الحرف جمعتنا صحيفة الحياة اللندية أنا في مكتب الخرطوم محرراً تحت قيادة الأستاذ كمال حامد وإبراهيم عبد القيوم وعمر محمد الحسن، رفض الصحافي خازم (إجازة) مادة كتبتها لملحق تيارات في الحياة الذي كان يشرف عليه الأديب محمد بنيسي، لأنني تحدثت عن نفسي، ومنذ ذلك الحين قررت الإستجابة لنصيحة صحافي أكبر مني سناً وأرفع مقاماً. يوم الأربعاء الماضي طلبني الأستاذ مصطفى أبوالعزائم لمكتبه لأمر مهم وعاجل، قلت (يا رب) إن شاء الله خير.. ومن تقاليد أبوالعزائم الحضور المبكر للصحيفة وتلك صفات الصحافيين الذين أخذتهم المهنة من السلم الأول حتى قمة الهرم، والصحافي من يبدأ المهنة محرراً في قسم الأخبار ويطوف أقسام التحرير حتى يبلغ الرئاسة التي تقيد الأقلام وتحبس الأفكار في أضابير التحرير والإدارة والمجاملات.. بطريقته الخاصة قال أبوالعزائم (قررنا) نقل زوايتك للصفحة الأخيرة من اليوم!! صمت بعض الوقت ورفضت الفكرة لأنني (مرتاح) في الصفحة الثالثة وقناعتي بأن الفكرة التي يحملها مضمون الزواية هي ما تجذب القراء حيث وجودها.. لكن أبوالعزائم كان إصراره على الإنتقال لجواره بالصفحة الأخيرة أكيداً.. رافضاً عدة خيارات من خارج (آخر لحظة).. الإقامة بالحارة الأخيرة التي انتقل منها الزميل العزيز الهندي عز الدين لصحيفته الخاصة ومن قلبي أتمنى النجاح (للأهرام اليوم) ول (آخر لحظة) الحفاظ على موقعها في الصدارة ولهذه الزاوية الثبات وتقديم فكرة تنفع الناس وتسهم مع الزملاء في تنوير الرأي العام في بلدٍ تواجه تحدي الخارج والداخل وتتكالب عليها الأزمات والمصائب ولكنها صامدة تغالب الأوجاع. مع تقديرنا لجهد الكتاب إلا أن الكاتب الصحافي يظل دوماً محمولاً على أكتاف المحررين في أقسام التحقيقات والأخبار والمنوعات ورواج الزوايا الصحفية مشروطاً بالخدمة الإخبارية وضروب فنون التحرير الأخرى، ولن يستطيع كاتب مهما بلغ من البلاغة ورصانة التعبير ونفاذ البصيرة أن يكتب النجاح للصحيفة مما يجعل إسهام زاوية (خارج النص) محدوداً كشأن كل الزوايا الصحافية ويبقى الجهد الأكبر وأسباب النجاح الحقيقية للصحف في دقة أخبارها.. وجودة تقاريرها ومنوعاتها وجماليات الإخراج والطباعة والورق، وتشكل تلك المدخلات أسباب النجاح لأية صحيفة ورقية. ننتقل الى الصفحة الأخيرة برغبة إدارة هيئة التحرير وقيادة الصحيفة، والكتابة بالأخيرة تقتضي ترقية الخطاب ومتابعة الأحداث بدقة وهي قيود جديدة تكبل المرء من (طلاقة) الأمس، حيث منحتني (آخر لحظة) حرية التجوال وتناول القضايا وهي تمارس منهجاً في الصحافة السودانية عماده الحضور في الصفحات قبل الجلوس في المكاتب وفي كل العالم عطاء الصحافي بما يكتب من تقارير والأخبار وبجهد من تلميذ في مدرسة الصحافة بعد مضي (21) عاماً من السهر والأرق نبدأ معكم وبكم مرحلة جديدة نتعلم من القاريء والصغير والكبير ونصوب أخطاءنا، لأن الصحافي منقوص العيوب لم يولد بعد !!