يبدو أن وتيرة الخلافات داخل الحزب الحاكم بدأت تزداد يوماً بعد يوم، في ظل وجود قضايا مفصلية، حيث أقرَّ القيادي بالمؤتمر الوطني أمين حسن عمر نهاية الشهر الماضي في تصريحات صحفية بوجود تيارات متصارعة داخل حزبه حول خلافة الرئيس عمر البشير في الرئاسة، قائلاً بعضها تخشى التغيير وتحاول تحاشيه وأخرى تطالب به، فيما تحدث أيضاً عن وجود خلافات حادة بين أعضاء الوطني بسبب قضايا فقهية حول الدستور القادم، حيث أضحى تصاعد الاختلاف داخل أروقة المؤتمر الوطني واضحاً بصورة لا تخطئها الأعين فها هو رجل بمكانة الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل مستشار رئيس الجمهورية يعلن من دائرته النيابية في ندوة سياسية بمنطقة القولد بالولاية الشمالية استعداد حزبه لإقامة انتخابات مبكرة، شريطة موافقة القوى السياسية على الخطوة، وقبل أن يرتد إليه طرفه جاءه قيادي آخر من ذات الحزب وليس من حزب آخر وهو مسؤول القطاع السياسي الأستاذ حسبو عبد الرحمن المعني أصلاً بالأمر، ليخبر الدنيا والعالمين بأن الانتخابات المبكرة هي من بنات أفكار الدكتور مصطفى إسماعيل عضو المكتب القيادي للحزب وليس أجهزة الحزب، وأنها لم تناقش القضية من أساسها، وهو ما ذهب إليه أيضا بروفيسور إبراهيم غندور الذي خلف مصطفى مؤخراً في رئاسة قطاع العلاقات الخارجية، حيث قال إن الأمر ليس أولوية لحزبه، بل الأولوية للدستور. والمفارقة في إفادات غندور لا تتمثل في أنه يجلس على كرسي كان يشغله مصطفى، بل إنه بعث بحجته من قاهرة المعز عبر الفضاء الإسفيري التابع لموقع أفريقيا اليوم الإخباري، بحسب صحيفة (الأهرام اليوم) دون أن يكتفي بترك الأمر لمن هم في الخرطوم. وربما إمعاناً من قادة الوطني لإثبات انقسامهم، جاءت الأنباء تتهادى من ولاية القضارف مطلع الأسبوع الماضي، بأن واليها كرم الله عباس لم يتورع في الكشف عن انتمائه إلى تيار داخل حزبه قال إنه يؤيد التطبيع مع إسرائيل، قبل أن يتصدَّى له آخرون من ذات الحزب ويتوعدونه بالمحاسبة إزاء تلاعبه بقضية تعتبر من ثوابت الحزب التي لا تحتمل ولو قدراً يسيراً من الإزاحة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تسبب في خلافات حادة بين كرم الله والإدارة الاهلية بولاية القضارف، وقد اعتبر عضو المجلس التشريعي بالولاية أبو بكر إبراهيم درج في تصريحات صحفية أن إدارة الوالي فيها كثير من الاشكالات وتغيب عنها الحكمة خاصة في القضايا الكبرى المتمثلة في تعامله مع المنظمات الجهادية إبان إعلان النفرة الكبرى والإدارة الأهلية وحديثه عن التطبيع مع إسرائيل، بل امتده تأثير الخلافات داخل الحزب الحاكم على مجريات الأمور إلى أبعد من ذلك فقد عصفت الخلافات باجتماع شورى الحركة الإسلامية والذي كان مقرراً له «السبت الماضي» بأرض المعسكرات بمدينة العيلفون شرق الخرطوم، حيث أن تباين الرؤى والمواقف السياسية والتنظيمة داخل المؤتمر الوطني قادت إلى طي بساط ملتقى الشورى للمرة الثانية على التوالي خلال العام الجاري، حيث كان مقرراً التئام المؤتمر الأول في شهر مارس الماضي، وأعاد التأجيل الحالي إلى السطح الجدل المحتدم منذ انشقاق الإسلاميين حول مركز وموقع الحركة الإسلامية في يوميات الحزب والحكومة، وحالة الانقسام تلك لا تتماشى مع طبيعة التنظيم التاريخي للإسلاميين، خصوصاً حيال القرارات الكبيرة، فعلى مر تاريخهم كانوا يتمتعون بوحدة القرار السياسي، بل وفي ظروف أصعب من تلك التي يعيشونها الآن، يا ترى ماذا جرى لهم؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى اختلافهم بهذه الصورة؟ (الأحداث) استفسرت المحلل السياسي الدكتور صديق تاور حول الحديث - المار ذكره - وقد ابتدر حديثه بأن المؤتمر الوطني ليس لديه وحدة في القرار السياسي واصفاً إياه بغير المنظم كما أنه حزب كرتوني - على حد تعبيره، مبيناً أن هنالك شلة من أصحاب المصالح تتحكم في قراراته، قائلاً إن السبب الاساسي في تصاعد المواقف داخل الحزب الحاكم يرجع إلى الدمج الذي يحدث ما بين الحزب ومؤسسات الدولة، مردفاً أنه ما عاد أفراد الدولة يميزون ما بين صفاتهم في الحزب ومواقعهم في مؤسسسة الدولة والتي لديها مؤسساتها ومرجعياتها، مؤكداً أن المؤتمر الوطني كحزب حاكم ظل يحتكر التوظيف والقرار في كل أجهزة الدولة من أصغر الوظائف إلى أكبرها، واصفاً ما يحدث الآن داخل أروقة المؤتمر الوطني بالأمر الطبيعي، قائلاً والحديث لا يزال ل(تاور) إنه لا يستبعد حدوث مفاصلات وانشقاقات داخل الحزب بحكم طبيعة المصالح المحركة للمجموعات، مضيفاً أن هنالك نوع من المصادرة للرأي والتهميش داخل الوطني، مؤكداً في ختام حديثه ل(الأحداث) أن في ظل هذا الوضع الراهن جميع الاحتمالات وأردة. وفي الأحاديث - المار ذكرها - لكل من أمين حسن عمر والدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، قال مسؤول القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني الأستاذ حسبو عبد الرحمن في حوار مع صحيفة (الأهرام اليوم) أن هذه الأحاديث مجرد آراء شخصية، مضيفاً أن واحدة من مميزات المؤتمر الوطني أنه حزب كبير لديه عضوية كبيرة ومفكرون كبار، وهو لا يحجر الآراء الفردية ولا اجتهاداتهم الفردية، ومثل هذه اجتهادات أفراد سواء مصطفى أو أمين مع تقديرنا لهما، لكن في النهاية الرأي للمؤسسة وما تتوصل إليه المؤسسات هو الملزم، والوطني ليس مثل الأحزب الكاريزمية الفردية التي يكون الرأي فيها لشخص واحد. في المقابل يرى المحلل السياسي حمد حاوي أن المؤتمر الوطني ومنذ فترة ظل يتبنى منهج الانفتاح على المجتمع وإدخال مجموعات ليست من الحركة الإسلامية التي من صلبها خرج المؤتمر الوطني، قائلاً من خلال حديثه ل(الأحداث) أمس إن هذا التوسع جاء على حساب الآيديولوجية، مضيفاً أن المؤتمر الوطني أصبح عبارة عن تيارات مختلفة، مبيناً أن في داخل هذه التيارات مجموعات لديها تحفظات على الدستور الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم، مؤكداً أن هذه الاختلافات أصبحت متوقعة وحتمية ما لم يحدث تغيير جوهري في سياسات الحكومة الحالية، متوقعاً حدوث تشرذمات داخل الحزب الحاكم.