{ خمسة أذهان فقط تحمل عن أربعين مليون سوداني، عدا خمسة؛ عبء أدق عملية حسابية في تاريخ الوطن، والمسؤولية التاريخية هي التي تختار هؤلاء الخمسة بكل يسر، وخلف هذه الأذهان الخمسة عشرات أخرى تعمل لحسابها، كل ذهن خلفه أذهان لكسب الرهان، فتنطلق أكبر عملية عصف ذهني يشهدها السودان، والأذهان تنقسم بمعادلة نسبية (2: 3) وتتباين منطلقاتها وأهدافها ومخاوفها، فتتدحرج الثقة إلى أدنى مستوياتها بفعل المخاوف والهواجس، فتصنع انفصالاً مباغتاً، وقد تصعد حذرة تبحث عن لحظة تاريخية تصنع وحدة، ترسم معالمها طريقة تفكير جديدة، تهتدي إليها ابتداءً الأذهان الخمسة، ثم عشرات الأذهان، ثم الذين يلونهم في مقادير العصف الذهني، وهكذا حتى يفتكرها الشعب بأسره ويمارسها سلوكاً جديداً يجسّر الهوة، ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، وتنهض ثقافة سودانوية تستجمع مصير وتاريخ الأمة في بوتقة واحدة، مثل ما ابتدأنا سينتهي بنا المطاف السوداني الرائع إلى مائة وعشرين لغة ولهجة لا تغادرها واحدة، وأربعمائة وواحد وثمانين قبيلة لن نقصي منها واحدة، حتى لا يأكلها الذئب الأوغندي. { محفزات العصف الذهني داخل تلك الأذهان الخمسة، والعشرات الأُخر، هي عدة، ومعقدة، تحاول الحصول على إجابات تهرب تفاصيلها إلى الغيب والقادم من السنوات والأشهر والأيام، وتفاصيل أخرى من تلك التفاصيل ترقد داخل قلوب تلك الأذهان الخمسة وهو ما يعرف في مضمار التفاوض السياسي ب (الضمانات) التي ينتظرها كل ذهن من الذهن الآخر، وقد يبحث عنها ذهن بين جنبيه مستفتياً ذاته، دون أن يسر بها إلى شريكه في المنطلقات والأهداف والهواجس والمخاوف والمسؤولية، وهذا ما يجعل العمليات الذهنية نشطة ومستمرة، تطرق بوتيرة متصاعدة كلما اقتربت النهايات وتعذر العصف الجمعي لتلك الأذهان الخمسة التي تمارس الاستفتاء الحقيقي قبل أن يمارسه شعبنا في الجنوب، فإن هي توافقت عليه فإن الشعب، في الشمال والجنوب، سيبارك الخطوة التي أفضت إلى وحدة سلسة واستفتاء سلس يريح من الآن تلك الأذهان المرهقة من عمليات مد وجزرعنيفة داخل أدمغة قائدة. { عملية العصف الذهني الواسعة التي تنعقد داخل كل ذهن في هذا البلد وداخل مجموعات العمل وهي تنجز دراسات ينتظرها ذهن (بوست) وتلك التي تجري داخل المؤسسات الأكاديمية والإعلامية والسياسية؛ تشكل رصيداً هائلاً من التنبؤات التي خلصت إليها عمليات تشخيص دقيقة لم تترك شاردة أو واردة إلا وأحصتها وصنفتها وحللتها، وحتماً سيكون المنتوج متبايناً في خلاصاته وتنبؤاته، ليس في ما يتصل بالنتيجة وحسب، وإنما في مجمل الأوضاع ومآلاتها. { المهم الآن هو ما تعصف فيه تلك الأذهان الخمسة من أفكار تتفاوض عليها، وما تنشط فيه الأذهان المساعدة وهي تبحث عن مقترحات وتصورات تجعل الأذهان الخمسة تتحول إلى ذهن واحد وقد حسمت أمر غاياتها واستبدلت مخاوفها بضمانات راسخة واستدعت تفاصيل الإجابات التي هربت إلى الغيب تستعصم بالوقت حتى يدركها لتكشف عن ذاتها، وتلك التي ترقد داخل الأذهان الخمسة فتنفتح على بعضها داخل ذهن واحد يجد كافة التفاصيل متاحة بين جنبيه، ليفضي كل ذلك إلى أشجع قرار في تاريخ بلادنا. { رجل مثل «عقار» بشجاعته المعهودة وهو ذهن مساعد يمكن أن يلعب دوراً مقدراً، لا سيما أنه محسوب على الشمال والجنوب في آن واحد ويعرف كيف يفكر كل طرف ويدرك التفاصيل التي ترقد داخل الأذهان الثلاثة في الشمال وذهنيْ الجنوب، وله معرفة في التخاطب مع كافة الأذهان المساعدة من هنا وهناك حتى ذهن عرمان الذي لم نكن نتوقع دوراً سلبياً له بهذه الطريقة المخزية حيال الوحدة كما يفعل على النقيض منه تماماً رفيقه في النضال مالك عقار. { قبل أن يدركنا الاستفتاء، نستفتي الأذهان الخمسة..