{ صدقت توقُّعاتنا.. وكذبت أحلام الذين يتعاطون السياسة ويمارسون الصحافة برومانسيَّة.. وخيال جامح.. وتهويمات لا مكان لها من إعراب الواقع.. وجغرافيا المنطق.. { فقد أعلنت القوات المسلَّحة السودانية مساء أمس الأول «الإثنين» أن «سرية» من قوات الجيش الشعبي هاجمت موقعاً للقوات المسلحة بمنطقة «الزمالي» جنوب ولاية سنار على بعد (5) كيلومترات شمال حدود 1/1/1956. وقال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، المقدم الصوارمي خالد سعد، إن القوة عبارة عن سرية مشاة مدعومة بدبابة، وثلاث سيارات لاندكروزر مسلحة، وسيارة تحمل مدفعاً رباعياً. وأكد الصوارمي ل «الأهرام اليوم» أن القوات المسلحة تصدَّت للمهاجمين وأجبرتهم على الانسحاب جنوب حدود «1/1/1956». { الجيش الشعبي - وكما هو مُتوقَّع - نفى الحادثة على لسان المتحدث باسمه «كوال ديم»، رغم تأكيداته بأنَّ القوات المسلحة رفعت في يوم «27» أكتوبر شكوى إلى مجلس الدفاع المشترك تتهم فيها فصيلاً من الجيش الشعبي بتهديد مواطنين في منطقة العسل بجنوب سنار. وتساءل «كوال» (كيف تبدلت المنطقة من العسل إلى الزمالي؟)، كما ورد بالزميلة «الصحافة». { وعلى جبهة أخرى وصلت أمس الأول فرق تحقيق إلى مناطق «قوق بار» و«جودة» على الحدود بين (الشمال) و(الجنوب) للتثبُّت من اتهامات وجّهها الجيش الشعبي للقوات المسلحة بنصب كمين لقوة استطلاع تابعة للجيش الشعبي، وقال «ياي أكوي» مدير تنفيذي بمقاطعة الرنك بولاية أعالي النيل المتاخمة لولاية النيل الأبيض: (إن الأوضاع الأمنية تحسنت على الشريط الحدودي بين الشمال والجنوب بعد التوتُّرات الأخيرة بين القوات المسلحة والجيش الشعبي في منطقة تدعى (كيلو أربعة). إلى ذلك قالت قوات حفظ السلام الدولية في السودان إنها بدأت تمارين مدنية عسكرية في مدينة «تركاكا» بولاية الاستوائية الوسطى، وتستمر حتى الخميس القادم، وتهدف هذه التمارين إلى تطوير قدرات البعثة في حماية المدنيين خلال حالات الطوارئ. (انتهى) { واضح جداً أن الحركة الشعبية تهدف من هذه التحرشات (الحربية) إلى تهيئة الأجواء لإصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بإرسال قوات للفصل بين الجيشين على الحدود بين الشمال والجنوب.. ولكن دعوني أتساءل: أين أولئك الحالمين الذين كانوا يحدِّثوننا عن (انفصال سلس وآمن).. لنصرخ في آذانهم (المسدودة).. اذهبوا إلى الجحيم..!! { أين أولئك (السُذج) الذين لا يعرفون (ألف باء) السياسة.. فطفقوا يكتبون بمداد الوهم والعبثيَّة يتهموننا بأننا نحرِّض الناس على الحرب، ونزرع الخوف والهلع في قلوب المواطنين، لأن (الاستفتاء سيجرى بسلام، تماماً كما جرت الانتخابات)..!! { ألا يعلم هؤلاء أن الانتخابات تُجرى كل (4) أو (5) سنوات، بينما الاستفتاء يُجرى مرةً واحدة في التاريخ.. وإلى الأبد..؟! إمّا وحدة أو انفصال كامل لا رجعة فيه، ولا داعي لتخدير الناس بأحلام وأوهام من شاكلة يمكن أن تتوحد الدولتان (الشمال) و(الجنوب) بعد الانفصال، فهل توحَّدت الآن إثيوبيا وإريتريا بعد نحو عشرين عاماً من الانفصال؟! وهل توحَّدت باكستان والهند بعد أكثر من (60) ستين عاماً من استقلال الأولى في العام 1947؟! ودعونا من الاستشهاد بنموذج «ألمانيا»الشرقيةوالغربية، حيث لم يُجرَ هناك استفتاء - أصلاً - لتقسيم الدولة، بل كان اتفاقاً وقّعته الدول المحتلة ل «ألمانيا» من المعسكرين الشرقي والغربي، ثم وافق المحتلون على توحيد الدولتين بعد انهيار الاتحاد السوڤيتي.. إذن شعب ألمانياالشرقية لم يذهب لصناديق الاستفتاء ويقرِّر الانفصال عن ألمانياالغربية.. فأين هنا وجه الشبه مع استفتاء الجنوب؟! { إن حدود الشمال والجنوب لن تكون آمنة، ولا مستقرة، لا قبل الاستفتاء ولا بعده، فهناك مناطق نزاع، وهناك مناطق أطماع، ومناطق تداخل وتمدُّد قبلي مثل ما يحدث في «أبيي».. ولا يمكن السيطرة على حدود بطول «ألفي كيلومتر» في مواجهة جيش (بربري) و(متفلِّت) مثل الجيش الشعبي بقيادة «سلفاكير ميارديت». { الأخبار السيئة أعلاه عن مواجهات عسكرية بين الجيشيْن تؤكد ما ذهبنا إليه كثيراً بأن انفصال الجنوب لا يعني - بأية حال - استقرار الشمال وتطوره ونمائه، كما يردد انفصاليُّو (منبر السلام).. فالحرب لن تتوقف.. والاستهداف الصهيوني سيتواصل.. وشعار المتآمرين ضد الشمال سيكون: (سهر الجداد ولا نومو).. { لن ينام الانفصاليُّون في الشمال.. ولن يهدأ لهم بال.. وبعد أن كان الجيش السوداني يقاتل في حدود «نمولي» سيقاتل هذه المرة جنوب«كوستي».. وجنوب «سنار»..!! { وإذا كانت الحرب ستهدِّدنا حتى في حالة الانفصال.. فلماذا نرضى بالاستسلام ونسلَّم الجنوب لهؤلاء (المرتزقة)؟! { اتفاقية السلام قالت بأن تعمل الحركة الشعبية لصالح الوحدة، وتعبئ الجنوبيين لهذا الخيار.. فإذا لم تفعل.. فالاتفاقية (مثقوبة) و(مضروبة).. والاستفتاء نفسه (مضروب).