{ الذين ينادوننا من وراء ستار المعارضة، هل يملكون بعض القمح والأمل والأشواق، أم أنهم فقط يستغلون (قطار الأزمات) للوصول إلى محطات الحكم للمرة الرابعة أو الخامسة لا أدري، ولكن الذي أدريه تماماً أنها لم تكن المرة الأخيرة (لجيل حنتوب) الذي يسعى إلى الحكم من المهد إلى اللحد. { جيل حنتوب الذي يتربص بنا لا يعرف ثقافة التقاعد ولا يعترف بأدبيات تعاقب الأجيال، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر فرصة مواتية للانقضاض على سدة الحكم، وما بدلوا تبديلا.. وماذا تقولون في نخبة حنتوبية عتيقة تعتقد أنها بعثت أصلاً لتحكم الآخرين، ولتملأ الأرض عدلاً وجوراً كما مُلئت ظلماً وفجوراً، وهذه الثلة المباركة على مدار تأريخها هي في حالتين، إما حاكمة وتتشبث بهذا الحكم بكل ما تملك وما لا تملك، أو أنها قد فقدت هذا الحكم وهي تسعى إليه بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. { فمنذ أكتوبر 1964، منذ نصف قرن من الزمان، لم تخلُ كشوفات الحكومات والمعارضات من أسماء هؤلاء الديناصورات، فإن لم تجد أسماءهم في كشف الحكومة، فهم في كشف المعارضة، وفي المقابل إن لم تجدهم في المعارضة فهم في الحكم، فهم على حالتين اثنتين، لا ثالثة لها. { كنت سأحترم المعارضة لو أنها تخلصت من هؤلاء الديناصورات وأتت بدماء جديدة من جيل الشباب، وكنت أيضاً سأحترمها لو أنها قدّمت (برنامج حياة وأمل) للخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية والفكرية، كأن تطرح برنامجاً لإنتاج القمح واستغلال الذهب والنفط وصناعة الرفاهية والمستقبل. كنت سأحترم المعارضة أكثر لو أنها (قدمت برنامجاً إصلاحياً شاملاً) في وقت غير هذا، حتى لا تبدو كما لو أنها تستغل (ظرف الأزمات العالمية والإقليمية).. طرح البرنامج المناسب في التوقيت المناسب و... و... { لكن أن تطل علينا في هذا الظرف الحالي العالمي الحرج، فهذه «انتهازية سياسية»، وأن تطل علينا بجيل حنتوب الذي يحتفل بعيد ميلاده (فوق السبعين) على طريقة العباسي: يا بنت عشرين والأيام مقبلة ماذا تقولين في موعود خمسين فهذا ما لايقبله عقل.. إنه الغزل الجديد القديم للسلطة، ولا شيء غير السلطة. { وهنالك شئ آخر مهم جداً، هو أن هؤلاء القوم يختلفون في كل شيء، ويتفقون فقط على إقصاء الحكومة، فإذا ما نجحوا في إسقاط الحكومة هل سيتفقون على (صناعة برنامج متناغم) للحكم، أم أنهم بعد إقصاء الحكومة سيذهبون في تصفية خلافاتهم وتناقضاتهم الداخلية؟ فالسيد الصادق المهدي، على سبيل المثال، لا يقبل إلا أن يكون رئيساً، والشيخ الدكتور الترابي، المفكر العالمي، لا يقبل إلا أن يكون منظِّراً، ولا يعقل أن يكون السيد محمد عثمان الميرغني بعيداً عن الكرسي الأول.. والأستاذ نقد ضد (الدولة الدينية)، والدكتور الترابي يود تطبيق نسخة منقّحة من الشريعة الإسلامية، هي أهدي سبيلا و... و... وإذا ما تحققت نبوءة المعارضة سنذهب لا محالة إلى حكومة لها رؤوس (وأسياد كثيرون)، ليست حكومة ذات قاعدة عريضة، ولكنها حكومة (ذات قمة عريضة).. وهل يعيد التاريخ نفسه!! { إننا ننشط ذاكر الشعب.. فهؤلاء لا قمح لهم ولا دقيق ولا نفط ولاطاقة.. لقد حكمونا خمس مرات، ولم يسجل دفتر إنجازاتهم (كيلة فترتية واحدة).. لا تصدقوهم. { هنالك شيء آخر مهم.. إذا ما تعرض السودان إلى أية حالة فوضى لن تكون نتائجها هذه المرة إسقاط الحكم، ولكن ستكون نتائجها المُرة هي (إسقاط الدولة) إلى الأبد، لأن هنالك (معارضات مسلحة) تنتظر أن تصنع الأحزاب لها بعض (الخلخلة والفوضى) لتأتي تلك الحركات المسلحة على متن سياراتها (رباعية الدفع)، وعلى متن ثأراتها التاريخية لأجل التصفية العنصرية. { إذا أردنا بقاء (دولة السودان)، ولا أقول الحكومة، علينا ممارسة المزيد من الاصطبار حتى يجتاز العالم أزمته المالية والغذائية، وحتى نجتاز نحن في المقابل كل أزماتنا الطارئة.. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.