كان الكاتب الصحفي المصري العربي الراحل أحمد بهاء الدين، الذي لم يكف عن التألق في أي من مقالاته طوال حياته الكتابية، ممّن فرحوا مثلنا بوصول العقيد معمر القذافي للسلطة في ليبيا أول سبتمبر 1969م، خاصة وأن العقيد رفع نفس الشعارات التي كان يعتنقها الأستاذ بهاء، كالاشتراكية والوحدة العربية والمصير الواحد وأولوية القضية الفلسطينية. وكان من رأي الأستاذ أحمد بهاء الدين، بعد نجاح القذافي في الوصول إلى الحكم في ليبيا وجعفر نميري في السودان، مع وجود جمال عبد الناصر حاكماً لمصر، أنها فرصة قد لا تتكرر، ومن المهم استثمارها لخلق أساس متين للوحدة العربية، وكان يرى أن أهم ما تملكه الدول الثلاث لخلق هذا الأساس هو الخبرة المصرية والأراضي السودانية الخصبة والمال الليبي. وكان رأياً سديداً ولكن لم يؤخذ به، ثم مات عبدالناصر بعد سنة تقريباً من ثورة القذافي أو انقلابه العسكري، وجاء الرئيس السادات مختلفاً تماماً عن عبد الناصر في أسلوبه وتوجهاته، ثم سرعان ما ساءت العلاقة في ذلك الوقت من أول سبعينيات القرن الماضي بين الرئيسين الشابين جعفر نميري ومعمر القذافي، وأصبحت العلاقة بينهما هي الأسوأ في كل ما يمكن تخيله من علاقات بين حاكمين عربيين شابين أفريقيين جارين، وتبخرت أحلام الأستاذ الكبير أحمد بهاء الدين وآراؤه السديدة حول العلاقة التي يمكن أن تنشأ بين ثلاث دول عربية أفريقية يجمع بينها الجوار الجغرافي. وبعد أربعة عقود من أحلام وآراء ومقترحات أحمد بهاء الدين، فإن الخبرة المصرية مازالت محجَّمة، وربما أسهم في تحجيمها أكثر من أية عوامل أخرى تقلص دور مصر القيادي الريادي خلال عهد الرئيس محمد حسني مبارك الذي أُطيح به الشهر الماضي بعد ثلاثين عاماً - تقريباً - أمضاها في حكم مصر.. ومازالت الأراضي السودانية الخصبة بكراً! ثم أن مساحتها نقصت بانفصال الجنوب. وأما المال الليبي فحدِّث عنه ولا حرج، فقد أنفق العقيد بعضه على مشاريعه الفاشلة وعلى إنجازاته الوهمية وعلى بعض السياسيين والصحفيين على امتداد العالم العربي وعلى بعض الرؤساء الأفارقة، وعلى المقربين منه، وعلى ذريته. وجاء في الأخبار، مثلاً، أن أحد أبنائه واسمه «معتصم» احتفل ذات رأس سنة في أحد فنادق إيطاليا، وأنه دفع لمطربة غنّت في ذلك الحفل (45) دقيقة فقط مليون دولار! ولم يدفع «معتصم» هذا المبلغ من مال أبيه، وإنما دفعه من مال الشعب الذي لمّا تأكد له أن اللصوص جاوزوا المدى وأن الكيل طفح... والخ، هب بكامل فئاته مطالباً بإنهاء حكم الرئيس معمر القذافي.