أخيراً أغلقت السلطات (بئر الفتح) بأمبدة بعد أن اكتشفت بعد ما يقارب الستة أشهر أنها غير صالحة للشرب، وخلال هذه الأشهر المنصرمة شبع الناس من هذه المياه الآسنة وتبركوا وتنادوا من كافة أرجاء السودان يحملون مرضاهم يطلبون الشفاء، وبجوار البئر شيخ بخلاويه وطلبته يرسل إشارات عبر الصحف التي حاورته يعزز بها ما يتناقله البسطاء عن بركة ماء هذه البئر وشفائها لحالات مختلفة من الأمراض، وكذلك تبرعت بعض صحفنا بمعلومات مضللة عن هذه البئر وهي تجري حوارات مع بعض الكذابين الذين ادعوا شفاءهم من الأمراض التي كانت تصيبهم وأعجزت الأطباء، فمنهم من أبصر ومنهم من شفي من مرض السكري أو السرطان وأمراض كثيرة وخطيرة. هكذا ببساطة أغلقت السلطات البئر دون أن تحاسب أحداً بدءاً بالشيخ الذي هو بجوارها وكافة المستفيدين منها على حساب البسطاء في عقائدهم وأموالهم وأرواحهم وعنائهم وهم قد قطعوا المسافات من أنحاء متفرقة من البلاد، وكان عليها في الحد الأدنى من واجباتها أن تفتح تحقيقاً يحدد المسؤوليات ويكشف حجم المعاناة وطبيعة هذه المياه وفسادها ومن هو الشخص الذي بدأ بالترويج لهذه البئر الفاسدة ومن هم المستفيدون وحجم الحركة الاقتصادية التي جلبها هذا الاعتقاد الفاسد ومن هم هؤلاء البسطاء الذين صدقوا واعتقدوا في هذه البئر ومن هم الضحايا، فما دامت البئر غير صالحة للاستخدام الآدمي فإنها بلا شك ستكون لها ضحايا، وما هي الصحف التي روجت لهذه البئر ومن هم الصحفيون الذين غابت مهنيتهم واستغلهم ضعاف النفوس للترويج لهذه البئر، ولم يفتح الله عليهم بحرف واحد يكشف المأساة قبل انتشارها؟ وهكذا تتابعت مجهوداتهم البائسة وهم ينتقلون بالناس من شائعة إلى أخرى ويدعمون حملات ضعاف النفوس وهم يضحكون على البسطاء ويرمونهم في مثل هذه «البلاوي» التي لم تجد الوعي الكامل وسط الناس لردعها قبل أن تستشري ولم تجد القانون أو السلطات لتحمي الناس من أمثال هؤلاء. المسؤولية ستطال معتمد أمبدة وستطال رؤساءه وستطال كل مسؤول في هذا البلد (فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وإن الله سبحانه وتعالى سيسألكم عن معاناة هؤلاء البسطاء وعن الأموال التي أنفقوها في هذه البئر وسيسألكم عن اعتقادهم في البئر وبركاتها وشفائها للناس ولن يشفع لهم إغلاقها بعد ستة أشهر (والله العظيم لو كنت معتمد أمبدة لأغلقتها قبل أن تكمل ست ساعات ولحاسبت كل من كان وراء هذه المفسدة)، أما لو كنت رئيس تحرير لإحدى الصحف التي تهتم بمثل هذه الأخبار لعالجت أمر هذه البئر بمهنية وموضوعية كاملة ولتحرّيت عنها وحملت ماءها إلى معمل (إستاك) ولتحصلت على هذه النتيجة التي تحصلت عليها السلطات بعد ستة أشهر ونشرت كل ذلك في حلقة واحدة ومن بعدها بدأت حملة إعلامية واسعة أبصر الناس بمخاطر ماء هذه البئر، ولحملت السلطات حملاً لتضطلع بواجبها تجاه شعبها بدلاً عن تركه لضعاف النفوس ينتقلون به من مصيبة إلى أخرى. إلى متى تترك السلطات أمثال هؤلاء دون مساءلة وعقاب وقد ثبت أن الماء غير صالح للشرب وبالتالي ليست هناك بركة فيه ولا قدرة له في شفاء الناس من الأمراض وهو في حد ذاته مسبب للمرض وقد شهد شعبنا حالات كثيرة من الخداع والغش والشائعات أبطالها معروفون ومكاسب بعضهم تجاوزت المليارات من الجنيهات وبعضهم احتفى به المسؤولون في محافظاتهم وبعض تلك الشائعات خدشت الحياء العام ودمرت حصناً منيعاً داخل الأسر السودانية كان لصحافتنا سهم كبير في انتشارها. ضعف الوعي حتى وسط النخب هو أس مشكلتنا في هذا البلد فتجد المسؤول والإعلامي يعتقد ويصدق مثل عامة الناس مثل هذه الخزعبلات وقد تجدهم أول (المبرطعين) ولفداحة هذا الوضع أكاد أجزم أن المثل الشعبي الشهير (الجفلن خلهن أقرع الواقفات) أنه يقصد المتعلمين في هذا البلد وهم يميلون مع العامة عند كل حادثة بدلاً عن هديهم وتوعيتهم.