نسب إلى تنظيم القاعدة في أحد الأقطار العربية قوله: «الجميع يقرون بأن الثورات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي كانت نتيجة للجهاد الإسلامي الذي أدى فيه الشيخ أسامة دوراً مميزاً». ومن الممكن أن يسلم البعض - بكثير من التحفظات - بأن أسامة بن لادن لعب دوراً متميزاً في الجهاد الإسلامي منذ أيام الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في القرن الماضي، ولكن من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يعثر المرء على أي رابطة أو علاقة بين الثورات الشعبية السلمية التي اندلعت في تونس ومصر وسوريا واليمن وبين الأفكار والسياسات التي ارتبطت بتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن. لقد أخطأ تنظيم القاعدة فلم تكن له أية علاقة وأي دور في إزالة حكم الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري محمد حسني مبارك، ولا في المتاعب والقلاقل والاحتجاجات التي يواجهها الآن الرئيسان السوري بشار الأسد واليمني علي عبد الله صالح، رغم الوجود المحسوس لتنظيم القاعدة في اليمن. إن ما جرى في العالم العربي من هبّات واحتجاجات كان يستهدف تحقيق العدل والديمقراطية ودولة المواطنة وخلق فرص العمل لألوف العاطلين المؤهلين، ولم يكن في بال أولئك المتظاهرين من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن أن يقيموا مجتمعاً أو دولة على غرار التي كان يسعى ويحلم بإقامتها أسامة بن لادن ومعه تنظيم القاعدة. لماذا تنسب بعض التنظيمات السياسية إلى نفسها ما لم تفعله؟ وليس تنظيم القاعدة هو أول من فعل ذلك ولن يكون الأخير.. فالتنظيمات السياسية والأحزاب في العالم العربي وأفريقيا تتعاطى السياسة وفي مقدمة اقتناعاتها أن الشعوب تنسى، وأن التكرار يحيل الأكاذيب إلى حقائق ثم إنه في النهاية كلام وما أكثر الكلام وما أرخصه في هذه المنطقة من العالم. وكان الأفيد والأكثر مدعاة للاحترام أن يحلل تنظيم القاعدة الأسباب التي جعلت الشباب العربي يرغب تماماً عن العمل السياسي بطريقة بن لادن والقاعدة وينحاز وينفذ في نفس الوقت أسلوب النزول إلى الشارع أعزل إلا من الإيمان الصادق بالوطن وبالشعب هاتفاً بتغيير النظام. ومن المناسب أن يخضع تنظيم القاعدة بعد رحيل زعيمه بن لادن برامجه وأفكاره وخططه إلى مراجعات شاملة وإلى نقد ذاتي، وعليهم أن يبتعدوا هوناً ما عن الماضي الذي لن يعود وأن يقتربوا أكثر وأكثر من الحاضر.. وروحه ومسؤولياته وإلا فإنهم سوف يجدون أنفسهم يوماً ما في وادٍ وكل الشباب العربي من المحيط إلى الخليج في وادٍ آخر.