وريثما تنتهي والدتك أو أختك الكبرى من خياطة (بت اللعاب) خاصتك، ستمشين زهواً بين بنات الحلة تحملينها كأنها طفلتك المدللة وتتباهين بشعرها الطويل الناعم وترتبين ملاءاتها على أسرّة الطوب ومخدات الفلين. تبدلين أزياءها بحسب بقايا دكان الترزي! كنا زمان، بنات جيل كامل ننعم بملمس القماش الطري والقطن اللين على مخدات أحلام طفولتنا التي مهما انحرفت عن مساراتها الأصيلة لن تتعدى اللهو المباح. في الصباح أو المساء، في كافة الشوارع والخيران الصغيرة والميادين منتصفة الحلة كنا نلعب لا نخاف من غريب ولا تقلق أمهاتنا من طول انتظار، لا يوجد غول إلا في ألسنتهن كي نغمض جفوننا باكراً ليبدأ لهو الكبار! وكبرنا وكبرت أحلامنا، لتتحول (بنات اللعاب) إلى صغيرات يكبرن بأجسادهن الطرية وعظامهنّ اللينة داخلنا، نحملهنّ مدللات نبدل حفاضاتهنّ بكل زهو ومحبة، فقد منحنا استمرار حلمنا بأن نكون أمهات.. مهما انحرفنا عن مسار الأمومة بتركهنّ قليلاً لوقت العمل، فلن يتعدى ذاك مرحلة الزمن إلى الاهتمام. لكن القصة اختلفت وصرنا نخاف من الأقرباء قبل الغرباء، نعد ثواني الترحيل - إلى الرياض والمدارس - خوفاً من الغول المتربص بهنيهة غفلة إنسانية لا علاقة لها بالإهمال الممعن. صرنا لا نغمض جفوننا إلا متأخراً خوفاً من لهو الكبار مع الصغار! صغيرة لم تتعد سنواتها الخمس، مذهولة منذ خمسة أيام لما تعرضت له من (سيد الدكان) المجاور لمنزلهم، حيث أرسلتها والدتها لشراء بعض الحاجيات منه، والوقت منتصف نهار صيفي، والجميع رابضون تحت ظل الهواء البارد بتكييف أو (حوش مرشوش)، والصغيرة تنجز سريعاً مرسالها لتجد غولاً متحفزاً بثورته على براءتها الطرية وجسدها اللين! يحاول الاعتداء عليها، بعد تمييل كفة حسن ظنها بحلوى لا تتعدى قيمتها العشرين قرشاً! فلا تقوى على صده ولا الصراخ، فيرحمها الله بقدوم عابر سبيل لزجاجة مياه غازية، فيتكفل بتخليصها منه ليبدأ جزء آخر من القصة اللانهائية من مسلسل التحرش الجنسي بالأطفال. وأهل الطفلة عقب الصراخ الكبير يثيرهم الفضول لمعرفة ماذا يجري بالشارع، لتفجأهم دموع طفلتهم ولا يفهمون من كل ذلك إلا أن أمراً جللاً قد وقع لها.. ليتخذوا جانب العدالة بأيديهم - التركيبة السودانية المعروفة - وتنتهي هذه الحلقة بحضور الشرطة واحتواء الموقف واقتياد الجميع إلى مركز الشرطة، وبعد إجراء الفحص الطبي للطفلة يتبين أنها لم تصب بأذى جسيم جسدياً لكنها أصيبت به نفسياً - بحسب تقرير الطبيب - ورغم خضوع أعمام الطفلة - الذين قاموا بضرب الشاب المعتدي - للتحقيق لما سببوه من أذى للمعتدي، إلا أن كبر جريمته وتفهم الشرطة للشخصية السودانية الرافضة للعيب البعيد عنها فما بال الذي يعنيها؟.. تم الإفراج عنهم بضمان خاصة بعد اعتراف المتهم بمحاولة التحرش بالطفلة.. المثبتة أصلاً بالشاهد والإصابات في وجهها ويديها. بين أيدي هؤلاء الغيلان تحولت بناتنا الحقيقيات إلى (بنات لعاب) يقلبوهنّ على كيف شهواتهم غير المنضبطة وغير الواعية، يشربون براءتهن ويأكلون لحمهن نيئاً ويا للهول يتلذذون! دراسة عربية منشورة على عدة مواقع إلكترونية وفي برنامج (كلام نواعم)، ذكرت الدراسة أن (82%) من المتحرشين والمعتدين والمغتصبين للأطفال هم ذكور طبيعيون و(10%) يكونون تحت تأثير المخدرات و(8%) فقط مصابون بأمراض نفسية وعصبية أو ممن يعرفون بمحبي الأطفال! إن قضايا العنف ضد الأطفال صارت واحدة من أهم القضايا في العالم بجانب المياه والتدخل العسكري والقضاء على الإرهاب والشأن الاقتصادي! لكن المؤسف أننا بكل نخوتنا وقدرتنا على رفض العيب والإجراءات الشرطية السريعة لبلاغات الإساءات الجنسية للأطفال، نقف بلا حراك ونكتفي بسب المغتصب أو المشاركة في ضربه فقط، لكن أن نقوم بخطوات استباقية بالتوعية والتوجيه للأمهات قبل الآباء، وللأطفال قبل النوم، وبتفعيل المجتمع المدني من الجمعيات الأسرية إلى أئمة المساجد والإعلام، برفض أن يكون الأمر ضمن المسكوت عنه فبناتنا نعمة ولسن لعبة!