وكل ذلك، يدفع المراقبين لأن يسألوا سؤالاً واحداً ومفخخاً، (ما التالي؟) عقب ثورة الياسمين، ويناير.. عقب اتفاقات واختلافات الدوحة وأبوجا وإثيوبيا كان هو السؤال للجميع. في جرح جنوب كردفان الذي لم يلتئم بعد.. حين هروب العقيد (القذافي)، في انفجار الوضع في النيل الأزرق وإشارات قوى المعارضة.. عقب اطمئنان الحكومة والبشير إلى موقف الجيش من السيطرة، ما زال السؤال (ما التالي؟). وقد طرح مقدم برنامج (أجندة مفتوحة) على قناة (بي بي سي /عربي) (زين العابدين توفيق) ذات السؤال على حضوره في الأستديو (د.خالد المبارك) الملحق الإعلامي بسفارة السودان بلندن، (كمال كمبال تية) رئيس مكتب الحركة الشعبية لتحرير السودان بلندن. حيث كان الموضوع هو التوقيت لساعة صفر السلام التي تقود الجميع من جنون الحرب إلى بر أمانه، وبدون فرز بين من هو الطيب ومن الشرير؟ الشر الذي بدا ظاهراً في الخطوط الحمراء القانية على محجر عيون السيد (كمبال) وخانقاً على مخارج حروفه وهو يقول: (لدينا ما يكفي من سند سياسي وعسكري لتغيير حكومة البشير)! رغم محاولاته السابقة طوال الحوار أن يبدو أنيقاً في خلافه وأدبه داخل أستديو قناة محايدة إلى حد ما. والطيبة بالمقابل، وصلت إلى حد من السذاجة في ردود رجل بقامة (د.خالد المبارك) له من الخبرة الإعلامية والفكرية ما يفوق سنوات قناة بي بي سي /عربي ذات نفسها! دعك من الشاب رئيس مكتب الحركة الشعبية بلندن. ردود خافتة على كافة أحاديث نظيره أو مداخلي الحوار.. وذكر السيد (عرمان) أن الحكومة السودانية أقالت والياً منتخباً وهذا خرق واضح للقانون! وأنهم كحركة شعبية سوف يواصلون زحفهم إلى الخرطوم..!! الخرطوم التي يمثل (د. خالد مبارك) حكومتها بغض النظر عن الخيبات القديمة، الخرطوم التي منحته، وما استبقت شيئاً ليظهر وجهه للعالم مفكراً وناقداً وإعلامياً تَصنُّ الآذان حينما يجلجل اسمه! إلا أنه لم يفعل كما تمليه عليه مهمته الرسمية ولا الأدبية، لم تلق منه رداً مؤدباً كما هو ناعم، لكنه حاد، يحجم به السيد (عرمان) من مواصلة أحلام يقظته غير الموقعة بقلم تفاصيل الحياة والناس! بل ظل لأوقات كثيرة صامتاً وغير واضح!- عكس مداخلة الأستاذ (محمد ناجي) رئيس تحرير صحيفة سودان تربيون من باريس عبر الأقمار الاصطناعية، الذي كان إلى حد ما متزنا غير متطرف في قراءته للإحداثيات والأحداث وبلا تورط في تجريم جهة وتبرئة أخرى. وعكس المداخلة الثرة التي قام بها نائب الحاكم لولاية النيل الأزرق - عبر الهاتف - حيث ذكر بهدوء مطمئن وواثق (نحن لا نبحث عن (مالك عقار) نحن نعمل على تعزيز الأمن والاستقرار)، وعن سؤاله عن نزع القوات المسلحة السودانية لسلاح الحركة الشعبية قال: (هذا غير صحيح فالحركة حزب ومؤسسة سياسية. رغم التناقض في أن يكون هناك حزب له قواته المسلحة! مع ذلك لم تأتنا تعليمات بنزعه منهم!). من الفم إلى الأذن مسافة تجعل العين تقرأ المشهد الذي أمامها فترسل إلى المخ حالما يصله الصوت، الصورة الملازمة له ليعرف المشاهد - مثلي - المتسمر أمام الشاشة يبحث عن إجابة منطقية لذاك السؤال، وما يحدث في بلده خارجياً، أن هناك وجوهاً ممثلة فاشلة لا تجيد قراءة نصها المعارض جيداً فتبدو كوجوه ناعمة مرتاحة لكن الأصوات حانقة ومتوترة لحال أبناء وطنها، والعكس! ونعرف من الذي يمارس فعل (الخارم بارم) في ردوده وإجاباته السياسية والفكرية أو حتى العاطفية على الشاشات فيجعل الناس ترى عورة مواقفه المهزوزة، ومن الذي يخيط الإجابة جيداً فنراها ثوباً مناسبا للعرض أمام الناس، ليس ضروريا أن يناسبنا بالارتداء!