مثل طفل يتململ في رحم أمه بانتظار القرار النهائي للطبيب، بدأت تفاصيل خروج الحكومة المرتقبة إلى العلن، ولادة تحتاج إلى (حقنة) طلق لتسفر عن ملامحها. خبراء التكهّنات في حيرة من أمرهم، والشارع يترقب عنصر المفاجأة، بينما عضوية الحزب الملتزمة ما انفكت هي الأخرى تمارس هواياتها في شطب وترشيح المزيد من الأسماء والدفع بوجوه جديدة تمهيداً للحصاد، غير أن مشاورات اللحظات الأخيرة وما اكتنفها من غموض، أيقظت جملة من التساؤلات تتعلق بطبيعة تلك الحكومة المتأخرة إلى حين؛ هل هي حكومة هجين ستأخذ من كل لون درجة؟ أم حكومة تكنوقراط؟ أم هي خالصة للحزب الحاكم؟ وإذا كانت حكومة خبراء مستقلين فهل يتوفرون بالشكل المطلوب؟ وكيف سينتهي سيناريو التفضيل بينهم؟ { ضجيج اللحظات الأخيرة رفع مستوى التوقعات إلى درجة أعلى لا سيّما أن غالب تصريحات قادة (الوطني) تصب في اتجاه إحداث مفاجأة نوعية بخلاف ما أوغلت فيه الصحافة من تسريبات، يعضّد من ذلك ارتفاع نبرة (الخبز لخبازه)، والنصح المبذول من جموع الحادبين بين يدي التشكيل المزمع بتخيّر القوي الأمين حتى وإن لم يكن محازباً، مما يرجّح استعادة تجربة أشبه بتجارب الرئيس الأسبق نميري الذي كان يعجم كنانته، وينتقي من سهامها الأصلح للاستوزار من التكنوقراط. الصمت الذي يطوّق دوائر صنع القرار يهيئ لترجيح زعمنا، تماماً كما يهيئ للعواصف من قبل الزبائن المعتمدين لبورصة التشكيل منذ عقدين أو ينيف..!! (1) { في بواكير عمر الإنقاذ ومجلس قيادة الثورة يحكم قبضته على زمام الأمور برزت أسماء علي أحمد سحلول كوزير للخارجية ومحمد خوجلي صالحين في وزارة للثقافة والإعلام، كما تمّ تعيين الدكتور سيد علي زكي وزيراً للمالية، والراحل عبد العزيز شدّو وزيراً للقضاء دون أن يثير ذلك حفيظة الإسلاميين. { الترابي نجح وقتها أيضاً في استقطاب العديد من الأسماء العاملة في المهجر من المستشارين وأساتذة الجامعات وخبراء الإقتصاد والإدارة في عديد من الدول الخليجية والأوروبية، كان أشهرهم حامل الدكتوراة في الهندسة الكيميائية محمد أحمد عمر، الذي ترك العمل بدول النفط وجاء إلى السودان متولياً وزارة الصناعة. { بعيد ذلك بسنوات انطوت تلك الصفحة تماماً، حيث غلبت أسماء السياسيين والعسكريين على معظم مسميات التشكيلات الوزارية المتعدّدة، فصارت محتكرة لنخب محدّدة، كما برز في الأفق التمثيل القبلي والجهوي كاتجاه يمكن أن يعني شيئاً ضمن مواصفات الاختيار..!! { الرئيس الراحل جعفر نميري عُرف بتعيين المفكرين والعلماء وتكريمهم بإسناد حقائب وزارية لهم، وكان أشهرهم وزير التربية والتعليم الأشهر الأستاذ محيي الدين صابر، والدكتور جعفر محمد علي بخيت، والدكتور علي شمو وبروفيسور عبد الله أحمد عبد الله ووزير رئاسة الجمهورية الأشهر، كاتم أسرار الدولة المايوية د.بهاء الدين محمد إدريس، والدكتور منصور خالد. (2) { مصادر من داخل الحزب الحاكم أكدت حقيقة الاتصال بشخصيات مستقلة من ذلك النوع ومشاورتهم لإسناد حقائب وزارية بالفعل، في التشكيل الوزاري المرتقب وبعض الذين برزت أسماؤهم مرشح الرئاسة الأسبق ورئيس محكمة التحكيم الدولية الدكتور كامل إدريس. { المصادر أكدت أيضاً أن هناك اتصالاً تم بالفعل بصاحب جائزة الحكم الرشيد الدكتور محمد إبراهيم (مو)، لتقديم المعونة عبر مؤسساته في مجال الاستشارات. { وعلى مقربة من ذلك تشهق الكثير من الإسماء كالخبير في مجال القانون الدولي التجاني الكارب، وصاحب فكرة جعل السودان سلة العالم من الصادرات البستانية البروفيسور الصادق عمارة، ومرشح رئاسة الجمهورية الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي مضى إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد خسارته الانتخابات، وأستاذ العلوم الزراعية بالجامعات الماليزية والمستشار في دولة أبوظبي الدكتور إبراهيم عمر وغيرهم من الخبراء. (3) { المستشار بوزارة الإعلام الدكتور ربيع عبد العاطي لم يستبعد إقدام المؤتمر الوطني على اختيار شخصيات مستقلة من ذلك النوع وقال ل(الأهرام اليوم) إن الوطني فتح الباب واسعا للمشاركة بالرغم من أنه اكتسح الانتخابات ولكنه لا يريد أن يحكم منفردا بحسب حديث الرئيس البشير. { ربيع نفى وجود عراقيل حزبية تمنع اختيار شخصيات مستقلة ولكنه استبعد قيام حكومة تكنوقراط خالصة، وأشار إلى أن الإنقاذ عينت من قبل سحلول وزيرا للخارجية، بينما الطرح الجديد يتحدث عن حكومة ذات قاعدة عريضة وهذه القاعدة لا تعني بالضرورة مشاركة الحزبيين فقط، وأكد ربيع أن الوطني بدون تردد يمكن أن يسند حقائب وزارية إلى شخصيات معينة وأن الاتصالات بالفعل تمت مع بعض تلك الشخصيات دون أن يسميها. { ربيع عاد وأشاد بتجربة نميري في اختيار عدد من العلماء أمثال الراحل الدكتور عون الشريف قاسم والبروفيسور عبد الله الطيب ومنصور خالد مؤكدا أن هؤلاء لا ينتمون جميعهم إلى الاتحاد الاشتراكي واستطاعوا أن يرفدوا التجربة بخبراتهم الثرة وأصابوا قدرا من النجاح، ولفت ربيع النظر إلى أن الحوار الذي جرى لم يكن محصورا على قادة الأحزاب السياسية وإنما تعداهم إلى مستقلين وخبراء في مجالات الاقتصاد والقانون والسياسة للمشاركة في الحكومة القادمة، وخلص إلى أن مستودع الفكر والخبرة السودانية لا تحده حدود وبالتالي فالأمر يحتاج إلى رصد وإحصاء ومبادرة نوعية. (4) { مرشحة الرئاسة السابقة د. فاطمة عبد المحمود أثنت على فكرة تهجين الحكومة وقالت ل(الأهرام اليوم) من مقر إقامتها بلندن «إن المؤتمر الوطني أمامه فرصة تاريخية لتشكيل حكومة خبراء من التكنوقراط وعتاة الساسة بجانب أفضل عناصر المؤتمر الوطني ليخرج بمزيج متسق يعمل بروح واحدة» ونصحت فاطمة بعدم التسرع في إعلان الحكومة الجديدة ما لم تستوف الشروط المطلوبة ونادت بضرورة البحث عن خبراء في الاقتصاد يتمتعون بعلاقات دولية وأفكار نيرة وأشارت إلى أنهم موجودون بالداخل والخارج ويتسمون بالخبرة والممارسة. { عبد المحمود أشادت بالتجربة المايوية في تفصيل الحكومات ونادت بالاستفادة منها، وقالت إنهم في الاتحاد الاشتراكي لا يرفضون المشاركة إذا كانت تخدم الخط الوطني وتستوعب الآخرين وتساعد في إيقاف الحرب المشتعلة في أطراف السودان وخلصت في حديثها إلى أن الكراسي بالنسبة لهم ليست غاية وإنما وسيلة للنهوض بمقدرات البلاد.