منصرمة المواضيع السياسية، إلى حال سبيل تكرارها الممل. تسيطر على مجتمعنا تغييرات لم تكن ذات سنوات ماضية هي الصفة الوراثية للسوداني فينا. غيّرتنا وحولتنا (180) درجة منصهرين تحت درجة حرارة تغلغلها فينا، ونتشكل بشكل جديد لا هو سوداني، ولا غربي، ولا شبه جزيرة، إنما هو شكل الغراب وربما صوته ومشيته كذلك! وذلك أفضى إلى مغالطات واتهامات كلٌّ منا يرى عوجة رقبة الآخر الذي هو في ذات المرآة يشوف عوجته. والمحللون السياسيون لا يدركون أن المتغير في ثابت السياسة يؤثر سلباً دائماً على ثابت المجتمع، وينفون حقيقة واقعة؛ أن الشعب هو أس وأساس السياسة لا النخبة التي ترتدي الخلود عباءة تبقيها على رؤوسنا طوال المدة التي نراهم فيها. إنهم الذين يفهمون ويعارضون ويتوسطون ولا ريب يفلحون في الانخراط العريض! عرض طول التحولات المجتمعية في بلدنا يساوي مسافة سقوط السياسة في هاوية التعالي على المجتمع بأبراج حقيقية وليست عاجية كما ألفناها! أبراج عزلتهم عن الشعب وما يريده منهم وكيفية تواصلهم معه، وعزلت الشعب عن الاستمرار في الإيمان بقيمة متمثلة في شخص أو حزب أو تنظيم... الخ. وحوّلت الحياة داخل السودان إلى مشي على الزجاج بعد أن كسّرته بفعل النطح والتفرق والتفرقة! وكي لا يكون الحديث عائماً أترون كيف تغيرت القوامة كفعل في السودان وصار الإنفاق أنثوياً - وأعنيها بصفة الأنوثة - إلا من رحم ربي! فعادي أن نشاهد أباً لا يستطيع قول (لا) لابنته، وأخاً لا يفعل شيئا سوى الجلوس بانتظار مرتب أخته لتمنحه منه ما يسد رمق مزاجه! زجتنا التحولات والأفكار السياسية الغريبة في مضيق حسبناه طارئا فأصبح المستمر، وزادت معه نسبة الفقر والمرض ومجهولي الأبوين والقتل والأيدز وزنا المحارم والاغتصاب وجرائم العنف ضد الأطفال - بكافة أشكالها - واللامبالاة والتطرف والاحتيال والفساد والفجر في الكلام والخصام بل وحتى السلام! وصرنا لا نندهش أبداً لرؤية جسد حميم على الطريق بغض النظر عن صفته. وظهر عند البعض التشبه بالنساء أو الرجال على اختلاف النوع! وأصبح عاديا جداً أن تصطدم سيارة بشخص وتمشي إلى حال سبيلها بدون أن يتسارع الناس إلى توقيفها بفعل فاعل (أنا مالي ومال كده؟). وعلى كده أصبحت الأغنيات التراثية - كما يروجون - هي الأفيون الذي نحب أن نخدّر به مواضع ألمنا من بتر عضو مهم في سودانيتنا يشمل الأخلاق والشهامة و(الرجالة) والفزع والكرم - وكانت تفرّح النساء قولة (دي مرة بعشرة رجال!) - وصار تكرارها كأغنيات مخيف إلى حد أنه لا يتوافق مع المشهد عموما، فترى (أنا ليهم بقول كلام.. دخلوها وصقيرها حام) وتسمع (شباب يقيمون عرض أزياء!)، فينقلب عليك البصر والسمع خاسئاً وأنت حسير كمواطن سوداني عادي لا تملك ما يسد رمقك، وترى كيف يتلاعبون بالأخلاق والقيم التربوية ليتشبه بهم البقية، ويبترون بعد حين كافة أعضائنا السودانية الحيوية! حياتنا بيدنا تغييرها، حتى يغيرها لنا الله إلى الأفضل. بيدنا أن ننظف الجو العام من التسمم الذي طاله وغيّر لونه وطعمه وشكله. بيدنا ألا نكتب بالحبر السري الأغنيات والأمنيات بسقوط نظام يرتفع هو وناسه، ونسقط نحن كشعب وأخلاقنا يومياً. تعالوا نلغي السياسي من تفكيرنا وهمنا، تعالوا نعيد صياغة مجتمعنا المدني كما ورثناه وبشكل أفضل، تعالوا ننفض الغبار عن (خال فاطنة) و(الطيب الفي شطارتو مبدّع) و(الضراعو أخدر بفعلو الرجال صنّت)... الخ. تعالوا نعيش كما نريد لا كما يريدون لنا!