نستأذن القراء في أن نستعير العنوان الرئيسى لجريدة الأهرام المصرية بعد مصرع الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم في مبنى وزارة الدفاع بالعاصمة بغداد في فبراير 1963م فقد كان العنوان الرئيسي للجريدة العريقة التى تأسست في الربع الأخير من القرن التاسع عشر هو (الحمد لله). وكان هذا العنوان يعبر عن موقف سلبي خاص اتخذه الرئيس المصري جمال عبدالناصر من الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم وقد أجاد التعبير عن هذا الموقف بالعنوان المشار إليه صاحب عبدالناصر المقرب الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام في ذلك الوقت وقد اتضح بعد فترة من سقوط قاسم أنه لم يكن بذلك السوء مع التسليم بأخطائه الكثيرة وبدموية عهده. وأخيراً قتل معمر القذافي الذى كان أسوأ نموذج للحاكم العربي في كل تاريخ الأمة العربية، لقد كان ملك ملوك أفريقيا حاكماً بلا مشروع ولم يكن حاكماً جاذباً إلا بالنسبة لضعاف النفوس من الرؤساء والسياسيين وكان الذى يجذب إليه أكثر من أى شيء آخر هو أمواله ولم تكن يده اليسرى وحدها هي التي تعلم ما قدمته يده اليمنى ولكن كل الآخرين يعرفون ما قدمه وكان يبتز من قبلوا بأمواله وكان منهم سياسيون وشعراء وكتاب ومثقفون ومنهم بعض السودانيين لتنفيذ أو تأييد سياساته الطائشة العقيمة المؤذية. ولم ينج أحد تقريباً في هذه المنطقة من العالم من شرور معمر القذافي ومن تآمراته. منذ أن ثار الشعب الليبي ضد حكمه الظالم المريب التافه في فبراير الماضي ظلت هذه الجريدة وكتابها، ظلوا جميعاً يدعمون الثورة الجسور وبلا تخطيط مسبق وإنما الضمير الحي وحده هو الذي هدانا ووجهنا إلى أن الموقف السليم يقتضي مناصرة الثورة الليبية وعمل كل ما بالوسع لإسقاط النظام الذي لم يخدم شعبه وأساء إليه وبدد موارده. لقد كان معمر القذافي رئيساً جباناً هرب في ساعة الجد من بيته في باب العزيزية بالعاصمة طرابلس، متصوراً أنه ما زال هناك متسع لأن يحيا رئيساً سابقاً في ليبيا أو حاكماً رمزياً على غرار الملكة إليزابث الثانية ملكة بريطانيا أو رئيساً منفياً خارج ليبيا مع من كان يحسب أنهم أصدقاؤه أو عارفو فضله لكنه لم يلق سوى السراب ثم لاذ بسرت معتقداً أنه في حمى الأهل والعشيرة يستطيع أن يجد الوقت الكافي لتنفيذ الهرب الآمن. ولكن كان واضحاً أن العمر الافتراضي لمعمر القذافي رئيساً وقائداً أممياً وملكاً لملوك أفريقيا وبدوياً صحراوياً ومواطناً ليبياً بسيطاً كان قد انتهى وأن الجنس البشري كله لم يعد مستعداً لأن يعيش معه في هذا الكوكب مخلوق اسمه معمر القذافي.