{ في طريقنا للعيلفون منذ يومين، مررنا «بالمحميات الزراعية» التي يمتلكها بعض أثرياء الخرطوم، وكنت قبل ذلك قد زرتها في سياق مشروع النهضة الزراعية، وقيل لنا يومها إنها توفر «التِّبش» والطماطم والخضروات في كل المواسم. وقد أعطى كل صحافي يومها «خِرارراية» كدليل مادي نهضوي زراعي. بالأمس ونحن نمر من أمام تلك المحميات، قد دار جدل كثيف من قِبل المجموعة التي ترافقني لتقديم واجب العزاء للزميل إسحاق فضل الله لدرجة أن بعضهم قد قدَّم العزاء «لزراعة الخرطوم» إن كانت هذه طريقتها لصناعة الأمن الغذائي، لكن وقفت طويلاً عند قول أحدهم «بأن الغرب بعد عقود من ممارسة الزراعة المحمية» قد عاد مرة أخرى للزراعة الطبيعية لمّا أدرك خطورة الزراعة المؤكسدة والمعالجة بالكيمائيات، فضلاً عن أن السودان يمتلك مساحات زراعية شاسعة ومتنوعة المناخات بحيث أننا لو استخدمنا هذا التنوع المناخي ربما لا نحتاج إلى صناعة هذه المناخات غير الطبيعية. فقلت لصاحبي هذا - والحديث لمؤسسة الملاذات الجناح الزراعي- نحن الآن في مرحلة تدشين الاحتفالات بمثل هذا النوع من الزراعة وربما ينظر إليك والحال هذه كمعوِّق ومثبِّط للهمم ولئن كان الغرب قد أدرك «قيمة الطبيعة بعد عقود من الممارسة بالتجريب، فإننا في المقابل نحتاج إلى أن ننفق مثل تلك العقود سيراً على الأقدام في الحقول المحمية، لنُدرك بعد أن نبلغ القمة التي بلغها الغرب خطورة هذه الزراعة الكيميائية غير الطبيعية» ثم نعود بذات نبرات الخُطى وبذات الطريق ومشيناها خُطى كُتب علينا ومن كُتبتْ عليه خُطى مشاها. ولئن دخل هؤلاء (الخواجات جُحر ضب خرِب لدخلناه)! ندخله بذات الطريقة والطريق الذي دخلوا منه. { وثمة ملاحظة أخرى في ثقافة زراعة ولاية الخرطوم بأن معظم المساحات الزراعية المنتجة قد حوَّلها بعض المُلاَّك الأثرياء إلى «مزارع خاصة» أقرب للسياحة والترف منها للإنتاج فهؤلاء الأثرياء الذين لا يعانون أزمات الغذاء كما يعانيه المواطنون فإنهم في معظم الأحيان قد استخدموا تلك الحيازات «المزارع زينة» واستراحات خاصة يقفون فيها بعض اللحظات السعيدة مع الأسر والأصحاب ويضيفون ويلتقطون الصور التذكارية ثم ينصرفون أو يعرضون لإيجار الحفلات والنزهات والملتقيات العديدة التي لم تقو على صناعة كيلة فيتريتة واحدة! { ليعلم السادة القراء بأن ولاية الخرطوم برغم تمدُّد الأراضي السكنية واستمرار ثقافة تحسين الأراضي بتحويلها من زراعية إلى سكنية برغم ذلك تعتبر «ولاية زراعية». فعلى الأقل أن مشروع سندس الزراعي الذي يقع في جنوب الولاية يحتوي على سبعين ألف فدان، وذلك فضلاً عن أراضي غرب أم درمان وشرق النيل والخرطوم وبحري. { ولو أن زراعة الخرطوم ونهضتها تمكنت من توظيف هذه المساحات في ممارسة زراعة حقيقية مصحوبة بتربية حيوان ودواجن لأكلت من تحتها ومن فوقها، ولما احتاجت إلى أن تستقدم خضروات وألبان وبيض ولحوم، وربما (قمح) من ولاية داخلية فضلاً عن استيرادها من خارج السودان. { مخرج.. وما يُسمى بتحسين الأرض بتحويلها من زراعية إلى سكنية هو من الأصل تشويه وتسويد إلى الأرض، ولا أعرف إحساناً أفضل وأقيم من اخضرار الأرض لاستزراعها بتلك الأعمدة الخرصانية في ظل أزمنة وأزمة الغذاء. قوموا إلى الزراعة المفتوحة يرحمكم الله.