{ كتبنا قبل ذلك عن قانون مكافحة التجسس الذي يعتزم البرلمان إعداده، ونعود اليوم لذات الموضوع بعد النشر الذي جاء في صحف الأمس، ويبدو من خلاله أن هناك من يعترض على القانون من أساسه، ويجيء الرد على من يعترض بعبارة ذكية حملتها تصريحات رئيس إحدى اللجان البرلمانية مفادها (إذا لم يكن هو جاسوس فلماذا يتخوف) وبجانب هذه العبارة كشف السيد رئيس لجنة التشريع بالبرلمان عن الملامح الأساسية للقانون المقترح، وأكد أن الشريعة الإسلامية ستكون المرجعية الأساسية وهذا شيء بدهي في بلاد تحتكم إليها. وأضاف أن القانون المقترح سيضبط المصطلحات والتفسيرات خاصة كلمة الخيانة العظمى. { انتقد السيد رئيس لجنة التشريع تحفظ جهات داخلية وخارجية على وضع قانون خاص بمكافحة التجسس، وقال إن أغلب دول العالم بها قوانين مشابهة، وكشف عن حاجة البلاد لذلك لاسيما وأن الوجود الأجنبي كثيف والحدود مفتوحة، وأضاف أن اللجنة الفنية ستنعقد الأسبوع المقبل لبحث مكامن الخلل في القوانين الموجودة بالبلاد، وفي ختام حديثه بث الرجل جملة من التطمينات للمتخوفين من القانون، مؤكدًا أن الغرض منه تحقيق العدالة وليس الخروج عليها، وقطع بأن القانون لن يمس حرية الأحزاب أو الأفراد. { ذات الصحف التي صدرت أمس كان الخبر الرئيس في معظمها يكشف عن حجم التجسس الذي تتعرض له البلاد، وذلك على أثر دخول عضو الكونغرس الأمريكي عن دائرة (فرجينيا) المدعو فرانك وولف والصحفي الأمريكي نيكولاس كريستوف إلى ولاية جنوب كردفان، قادمين من دولة جنوب السودان بدون تأشيرة دخول من السلطات السودانية، وذلك بهدف القيام بأعمال مساندة للحركة الشعبية قطاع الشمال. { مجرد الدخول غير الشرعي إلى بلد من البلدان فإنه يفسر وفق قوانين مكافحة التجسس على أنه تجسس ويعاقب عليه القانون، وهذا وجه من أوجه النشاط التجسسي، ولذلك كانت عناوين الصحف ليوم أمس أكثر إبانة من رئيس لجنة التشريع، وليته ركز في ملامح القانون المقترح على البعد الأجنبي لأنه هو المعني بهذا النشاط، والتجسس يكون دوماً لمصلحة دولة خارجية تباشره عبر أجهزتها العاملة في هذا المجال، وتجنّد له العملاء والجواسيس من الوطنيين، وقد تنشأ شبكات تجسس في بلد من البلدان وليس من بينها أحد من الوطنيين، وقد تباشر هذا النشاط السفارات عن طريق الوسائط الفنية والتقنية. { كنت أتمنى أن يجد هذا القانون حظه من النقاش وسط النخب السياسية والاجتماعية في كافة الجوانب الفنية والثقافية والفكرية والأدبية والاقتصادية، وكذلك وسط القطاعات الشبابية والطلابية والنسائية، وأن تسهم أجهزة الإعلام في إدارة حوار عميق وشفيف حول هذا الموضوع، لأن مكافحته تعتمد بنسبة (90%) على التعريف بماهية التجسس والتوعية من مخاطره لاسيما وأن التجسس يمكن أن يباشره عملاء المخابرات المحترفون دون أن يشعر الطرف الآخر بأنه يعمل لحساب دولة أخرى ويعمل ضد مصلحة وطنه، وذلك باستدراجه واستنطاقه في (عشرة ونسة) قد تتكرر في اليوم الواحد أكثر من مرة وبعفوية أو قد تكون على فترات متباعدة ولكنها في النهاية بالنسبة لهذا الأجنبي تعني له الكثير، ويجمع من خلالها معلومات مهمة جدًا لوطنه ومدمرة لوطن المستدرج الغافل. { وكنت أتمنى أن يحمل القانون اسم (قانون الأمن القومي) ويضم بجانب مكافحة التجسس موضوعات أخرى مثل العنصرية والجهوية والتطرف الديني بما يشبه تلك الاعتداءات التي طالت بعض الطوائف الدينية من بعضها البعض، وكذلك يشمل قضايا مهمة تتصل بقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية لاسيما وأن هذه المؤسسات تضطلع بدور مهم، فالتعرض لها ينسف استقرار وأمن الوطن بالكامل، وللأسف نقرأ في بعض الصحف بعض الكتابات غير المسؤولة وبعضها مقصود لخدمة أجندة خارجية تستهدف الوطن من خلال استهدافها لهذه المؤسسات، ويجب أن يتعظ الناس بما يحدث من حولنا عندما تم ضرب مؤسساتهم الأمنية، فانعدم الأمن والاستقرار، وصار حتى لعب كرة القدم من المستحيلات، واذا أُقيمت يموت المئات من الأبرياء وقد شاهدنا قنواتهم وهي تحسدنا على نعمة الأمن التي ننعم بها، والحمد لله قد كشفت الأيام القدرات الكبيرة التي تتمتع بها أجهزتنا الأمنية. أما القوات المسلحة فتحارب من أجل حماية الوطن في مساحة واسعة تعجز عنها الجيوش الكبيرة في العالم، ويموت أفرادها صباح مساء من أجل أن نعيش آمنين مستقرين. ( الحريات في ما دون ذلك متاحة ونأمل أن يكون النقد بناءً وهادفاً، وبهذه المعادلة وحدها يمكن أن نمارس الحرية دون أن ننزلق إلى الفوضى والتجسس والعمالة.