كشف اللواء (م) حمادة عبد العظيم حمادة عضو المجلس العسكري الانتقالي الذي حكم البلاد لمدة عام عقب الانتفاضة الشعبية التي اقتلعت نظام مايو في السادس من أبريل من العام 1985م؛ كشف عن أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك لعب دوراً كبيراً في عدم عودة نميري إلى الخرطوم بعد التغيير الذي تمّ، وقال "لم نبد تخوفاً من عودة نميري بل أبدينا تحسبا رغم أن القوات المسلحة كان فيها من يؤيده"، واستدرك قائلا "لو عاد نميري في تلك الفترة لحدثت مذابح ودماء وفتنة"، وأشار اللواء (م) حمادة إلى أن قادة مصر والسعودية والإمارات هم أول من بارك التغيير، واصفاً الانتخابات التي سبقت الديمقراطية الثالثة بأنها كانت من أميز الانتخابات. وأكد اللواء (م) حمادة بوصفه أحد أعضاء المجلس العسكري الذين أوكلت إليهم مهمة إدارة حوار مع التجمع الديمقراطي الذي كان يمثل نبض الشارع؛ أكد أن قادة الأحزاب أيدوا فكرة الحكومة القومية وذلك من خلال اللقاءات التي تمت مع الميرغني والصادق والراحل محمد إبراهيم نقد، وقال "لو تمت هذه لكان قد تحقق الاستقرار السياسي منذ ذاك الزمان ولما انهارت من بعد ذلك الديمقراطية الثالثة". لكنه انتقد قرار حل جهاز أمن الدولة بقوله إنه "كان من أكبر الأخطاء التي ارتكبناها كحكومة ومجلس عسكري". (الأهرام اليوم) أجرت حوارا مع اللواء (م) حمادة عبد العظيم حمادة على شرف مرور ذكرى الانتفاضة حيث كشف الكثير المثير هنا في هذا الحوار الذي ننشره على حلقتين حيث بدأنا هذه الحلقة بالسؤال: عندما تحكم لفترة طويلة تتعرض للاحتواء .. هذه طبيعة البشر .. والبشر فكرهم محدود بيانات المجلس العسكري لم يشارك أي مدني في إعدادها { نبدأ هذه الحلقة بالاتهام الموجه إليكم في تلك الفترة ذلك بأنكم كنتم امتداداً لمايو، ماذا تقول؟ - في الحقيقة ليس اتهاما فقط، بل نحن أغلبنا كنا مايو، وبالتالي فإن التصاقنا بمايو لم يكن اتهاماً بل كان حقيقة، فنحن كنا بالفعل جزءا من مايو وأنا على سبيل المثال أحد الذين شاركوا في انقلاب مايو 1969م، ففي ليلة 25 مايو كنت أنا واللواء (م) خالد حسن عباس وأبو القاسم محمد إبراهيم نقود مدرعة واحدة، وبالتالي فغالبية ضباط القوات المسلحة كانوا جزءا من مايو. { أنت شاركت إذن في انقلاب مايو بوجودك داخل أول دبابة انطلقت لتقود التغيير، لماذا لم تظهر في المشهد السياسي بعد ذلك؟ - نعم شاركت ولم أظهر بعد ذلك ولكن كان لكل دوره. { هل كنت ابن يسار في ذلك الزمان؟ - لا.. إطلاقاً لم أكن يسارياً. { الدبابات التي انطلقت يوم 29 مايو 1969م هل كانت تحمل خطاباً يسارياً صرفاً؟ - ليس خطابا يساريا بل خطاب قومي عربي، ولكن القوميين العرب هم عبارة عن اتجاهات مختلفة فيهم الوسط والمتطرف يمين والمتطرف يسار وعندما قامت مايو كانت محتاجة لدعم من أي جهة خاصة في الفترة الأولى وغالبية المشاركين في انقلاب مايو 1969م لم يكونوا يساريين، ونذكر منهم على سبيل المثال فاروق حمدنا الله الذي أقول إنه لم يكن يسارياً على غير بابكر النور وهاشم العطا عليهم رحمة الله. { هل شاركت في انقلاب هاشم العطا؟ - لم أشارك في انقلاب هاشم العطا لأنني وقتها كنت سكرتيراً عاماً لوزارة الدفاع ولم أمكث في هذه الوظيفة أكثر من سبعة أيام. { ماذا حول قوانين سبتمبر التي جاءت بها مايو في نهايات عهدها وتحديداً جاء بها جعفر نميري، كيف كان تعاملكم معها من حيث الإلغاء أو الإبقاء عليها؟ - لم ننظر في هذه المسألة لأننا نعتبر أنفسنا فترة انتقالة ستعقبها انتخابات فكان رأينا إرجاءها للحكم الديمقراطي الذي ستفرزه الانتخابات وهذا هو المنطق فقلنا إن مصير قوانين سبتمبر مهمة المنتخبين القادمين من الشعب. { هل كان من الممكن أن يتأجل تحرك المجلس العسكري الانتقالي لأكثر من يوم 6 أبريل؟ - ما كان من الممكن أن يتأجل التغيير الذي تم لأكثر من يوم 6 أبريل وإلا لحدثت مصادمات ودماء. { هل شارك مدنيون في كتابة بيانات المجلس العسكري؟ - لم يشارك مدني واحد في أي مفردة من مفردات بيانات المجلس العسكري الانتقالي. { لقد طرحتم فكرة الحكومة القومية ووافق عليها زعماء الأحزاب ولكن لم يعملوا بها ودخلوا الانتخابات وجاءت الديمقراطية الثالثة بكل عيوبها فهل هذه النتيجة كانت متوقعة (نهاية الديمقراطية)؟ - السبب في انهيار الديمقراطية هو الحزبية المتعسفة فعندما حصل الصادق المهدي وحزبه على الأغلبية صار هو الحاكم والآخرين ما عليهم إلا الانضمام إليه. { إذن لو كانت الديمقراطية الثالثة قد سبقتها حكومة قومية لما حدث ما حدث، صحيح هذا؟ - بالفعل كانت النتائج ستكون جيدة وكان سيتحقق للسودان الاستقرار منذ ذاك الوقت لأنه كما قلت لك إن حزبا واحدا من الصعب أن يحقق ويحصل على الأغلبية. { هل يشمل قولك الآن أيضاً؟ - نعم إلى الآن وإلى يوم الغد لا يوجد حزب في السودان له أغلبية، والآن الوضع أسوأ لأن الأحزاب صارت لها فروع وفصائل بعد الانقسامات الأخيرة. { يؤخذ عليكم أنكم صادقتم لعمل 36 حزبا؟ - طبعاً هذه هي الديمقراطية وهذا واحد من العيوب أيضاً. { ماذا عن دوائر الخريجين التي دار حولها لغط كبير؟ - دوائر الخريجين كانت فكرة صائبة. { بوصفك كنت قريباَ من نميري عسكرياً وباعتبار أنه كان قائدك ما هي الأشياء التي أضرت به كحاكم؟ - نميري لم يكن حاكماً سيئاً بل هو قائد وطني ولكن الواقع هو الذي فرض علينا إزاحته، ففي أي نظام هناك أخطاء والأخطاء عادة لا تأتي من الحاكم بل من الحاشية والشللية فهذه هي التي أضرت بمايو. { هل الحاشية هذه هدمت الثقة بين نميري وقادة القوات المسلحة؟ - إلى حد كبير يمكن أن تقول ذلك. { يقولون إن سبب ضياع مايو ونميري هو التأرجح الناتج عن حالة الشد والجذب بين الإسلاميين ومايو الاتحاد الاشتراكي والحرس القديم، أليس كذلك؟ - بالطبع.. فعندما تحكم لفترة طويلة لا بد أن تتعرض للاحتواء فهذه طبيعة البشر والبشر - مهما كان - فكرهم محدود. { بالنسبة لقضية الفلاشا كيف تعاملتم معها؟ - هي تم اكتشافها رسمياً أثناء المحاكمات، ولو لم تأت الانتفاضة لما كان قد علم الناس بهذه القضية لأنها لم تظهر للعلن إلا بعد الانتفاضة والمحاكمات التي تمت لرموز مايو. { من الملاحظ أن المحاكمات التي تمت للمايويين بعد الانتفاضة طالت رموزا وأغفلت رموزا أخرى فهل كان معيار الشارع هو الذي سارت عليه المحاكم؟ - حقيقة في أي فترة، دائما ما تكون هناك أشياء متناقضة، فما كل من كان عضوا في مجلس قيادة ثورة هو مخطئ أو أساء السلطة، فهناك أشخاص عاديون قد تكون مثالبهم أكثر والسودان مشكلته في تأثير العلاقات الاجتماعية ومن أكبر الأخطاء التي تحدث في الأنظمة السياسية السودانية هي العلاقات الاجتماعية لما لها من تأثير كبير. { في ما يتعلق بحرب الجنوب، لو كان قرنق استجاب لنداءات المجلس العسكري الانتقالي وتعامل بإيجابية مع التغيير الذي تم لاختزلنا زمنا طويلا من عمر الحرب ولما احتجنا لنيفاشا اليوم، أليس كذلك؟ - قرنق وصفنا بأننا مايو (2) وكان هذا هو رأيه وموقفه من التغيير الذي تم في السودان، وأقول لك هنا إنني من المقتنعين تماماً بانفصال الجنوب، لأن الوحدة تحتاج لمقومات وهذه المقومات كانت غير متوفرة، فالجنوب كان عالة علينا وإلى الآن سيظل كذلك. { هل تعتقد إذن أن قرنق قد أضاع فرصة جهنمية وجيوإستراتيجية بعدم تعاونه مع المجلس العسكري الانتقالي؟ - قرنق هذا لو كان بفكرته التي ينادي بها من سودان كبير وجديد وجاء حينها ووضع يده مع المجلس العسكري الانتقالي لكان من المؤكد عدم حدوث الانفصال في هذا الزمان، فأضاع فرصة كبيرة باستمراره في القتال. { التوتر والخروقات التي تتعرض لها مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق من قبل الحركة الشعبية، هل كنتم تستشعرون هذا الخطر على هذه المناطق منذ وقت بعيد؟ - الخطر هذا كان موجودا منذ قديم الزمان وليس وليد اللحظة، وهذا مخطط دولي تم وضعه من قبل أكثر من أربعة عقود وكل الحكومات التي تعاقبت لم تنتبه إلى ذلك من خلال عمل الكثير من المعالجات لدرء هذا الخطر وهذا ما كان مفقوداً. { ماذا عن الأحزاب عموماً وتجربتها في السودان؟ - الأحزاب فشلت في كل شيء سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والحزب ثقافته مبنية على دخول الانتخابات من أجل الفوز بأكبر عدد من المقاعد والوزارات وهذا ليس في السابق فقط بل حتى الآن إذا ما نظرنا لحكومة القاعدة العريضة نجد أن الأحزاب دخلت من أجل الوزارات ولم تدخل ببرامج فيعاب على الأحزاب أنها لم تغير من تفكيرها حتى بعد دخولها حكومة القاعدة العريضة فمفهوم الأحزاب كان ولا يزال هو المصالح بكل أسف فلا يعقل في بلد مثل هذا يكون لدينا أكثر من ألفي دستوري فالأحزاب جميعها أفكارها واحدة مبنية على السلطة والوظائف وليس على البرامج فالتفكير الحزبي ما زال وإلى الآن هو تفكير شخصي. { البشير قال إنه في العام 2015 لن يحكم السودان فهل تؤيده في ذلك؟ - نعم أؤيده، فالبشير قدم الكثير وتحمل مسيرة الحكم لمدة فاقت العقدين من الزمان فهذه تضحية كبيرة لأنك عندما تكون حاكماً فليست هناك ميزة ولا متعة بل العكس فالحاكم لا ينام الليل، وبالتالي هو قدم ما فيه الكفاية وهو محتاج في ما تبقى من عمره لاستراحة محارب وهو رجل زاهد وعابد فالعمر في هذه الدنيا قصير وعليه أن يستمتع بحياته قليلاً. { وماذا عن استقرار السودان وأمنه وسلامه؟ - البشير لم يقصر في ذلك ولا أقول إن الإنقاذ هي التي فصلت الجنوب، لأن الجنوب منذ العام 1955م كان يريد الانفصال ومنذ حركة جوزيف لاقو التي كانت أفكارها انفصالية، ورغم احتواء مايو لجوزيف لاقو إلا أن أفكاره حتى الآن ما زالت انفصالية فالجنوب كان من الأفضل له الانفصال. { ماذا عن الحريات الأربع؟ - لا أؤيدها في هذا الظرف السياسي والأمني الذي يسود العلاقة بين الشمال والجنوب، فلا يمكن أن تحاربنا الحركة الشعبية وتطرح في ذات الوقت الحريات الأربع، وبالتالي فأنا لا أؤيد الحريات الأربع بين الجنوب والشمال إلا بعد حل المشكلة الأمنية ومشاكل الحدود. { ماذا عن أبيي؟ - هي شمالية وستظل كذلك ويجب أن نموت من أجلها