حسب مصادر موثوقة جداً، أن (المناضل) ياسر عرمان هو الذي تولى كِبَر تحريض حكومة الجنوب على عملية «تجميد نفطها»، وذلك على افتراض أن عملية سقوط حكومة الخرطوم في ظل عدم تدفُّق النفط الجنوبي عبر أراضيها لن تستغرق أسابيع معدودة جداً، وإن رفاقاً له بالداخل سيكملون القصة ويكتبون فصلها الأخير، على أن تخرج الخرطوم إلى الطرقات على متن الجوع لصناعة الثورة السودانية التي تأخرت كثيراً، وهي يومئذ نسخة اقتصادية. فربيعنا اقتصادي الهوى والمزاج، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن السيد عرمان. شهور تمضي والنفط مغلق والثورة لم تحدث. * ثم يهتدي القوم، قوم الشيخ عرمان، مفتي الديار الجنوبية، «يهتدون» إلى «فكرة جهنمية» أخرى أكثر فعالية، وهي فكرة احتلال منطقة هجليج «الغنية بالنفط»، وبهذه الخطوة وحدها ستفقد الخرطوم نصف إنتاجها من النفط الشحيح أصلاً، لتُحدث هذه الخطوة صدمة هائلة وسط الجماهير، على أن يحرِّك «رفاق الخرطوم» الجماهير أولاً باتجاه «محطات الوقود» والاصطفاف بالمناكب والأقدام، وصناعة حالة هلع وندرة وشُح، ثم تكون الخطوة الثانية الخروج إلى الشارع وصناعة الربيع السوداني، لتصعد على منصة الحكم في الخرطوم «حكومة عميلة» نسخة أخرى من الحركة الشعبية، ومن ثم تُعلِن حكومة السيد فاقان أموم استئناف تدفق النفط عبر الشمال وإنهاء حالة العداء التاريخية. فالجنوب ومن ورائه، وراء البحار، نخب صهيونية لا ترغب في سماع أسماء مثل «عمر وعلي وأبوبكر ونافع والحاج آدم يوسف» على خشبة المسرح السوداني. * والصدمة لم تحدث، والوقود لم ينفد في محطاته، واليقين متوفر في أفئدة الجماهير، ومستودعات الصبر ومخزوناتها الإستراتيجية تكفي لتمرير هذا المخطط الشيطاني، بل قد حدث العكس تماماً. ففي الوقت الذي يتدافع فيه الرفاق باتجاه محطات البنزين والغاز تتدافع كوادر أخرى باتجاه محطات تجمع المجاهدين وتصبح من جديد الشهادة ممكنة، وتستيقظ مجموعة قيم من مرقدها ظن مناهضوها أنها قد اندثرت، والشاشات تكتسي بالكاكي من جديد لإنقاذ المحاصرة بتضخيم حالات الكساد والفساد والآثام، تخرج إلى المنابر كيوم ولدتها أمها لا حديث يعلو على أحاديث المعركة، وإسحاق فضل الله يعود كما لم يعد من قبل، وساحات الفداء والقوم هم القوم كأنهم قريش، والمؤتمر الوطني يعتذر للآخرين الذين يسعون لتقاسيم الدستور وتقسيم الأدوار والسلطة ويقول «إن لديه حرباً» وقد جاءني ما يشغلني وبعض «أصوليي المؤتمر والحركة» تطربهم حالات الحرب فهي الوسيلة عندهم «لاسترجاع شيرين» وتحجيم الآخرين والطرق بقوة على «آليات المشروع» من جهاد وتعبئة وشهادة، لدرجة تلك الحكاية التاريخية الهدندوية «جنة عثمان دقنة رأيتنيها».. قال صاحبه.. «رهاب كاكا» لكن الطريق إلى الشهادة عبر هجليج أصبح سالكاً. * ووسط هذه الدراما تعرض جوبا انسحابها بشروط. الخرطوم ترفض الشروط. الخرطوم تطيل من حالة التعبئة، أحزاب المعارضة تبقى أمام خيارين اثنين، أما أن تكون خائنة أو تبايع المؤتمر الوطني على الجهاد، حتى الشيوعيون أشهروا سيفهم هبج .. لبج.. تهج أو تتلجلج. وعباقرة الإسلاميين يرسمون اللوحة بتفاصيلها وينزلون إلى المساجد (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ويُنشِّطون ذاكرة الجماهير .. لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء فليعد للدين مجده أو ترق منا الدماء.. * وجوبا تدخل في ورطة. إن هي انسحبت انهزمت، وإن بقيت تزداد الخرطوم تجييشاً، «والانتباهة» توزع أمس الأول مائة ألف نسخة والطيب مصطفى يربح والحريات الأربع تتعطل والولايات تذهب في تشكيل الألوية والخرطوم تضع أولياتها.. * مخرج: يفقد السودان عشرات آلاف من براميل النفط ويكسب الملايين ويكتسب مشروعيته