لم نسأل أنفسنا كيف ثار غبار الحديث الذي يملأ صفحات الصحف ومجالس القرى والأرياف عن تصدير إناث الإبل بين المنع والمنح.. وأصل الجلبة الحالية أن وزير التجارة الخارجية (عمنا) عثمان عمر الشريف حاول بسط سيطرته على مخارج ومداخل وزارته.. فوجد أن التصديق بتصدير إناث الإبل يأتي من وزارة الثروة الحيوانية وليس وزارة التجارة الخارجية صاحبة الولاية على كل صادر ووارد.. لكن الأخ الوزير لم يجد وقتاً ربما ليقرأ القوانين التي وضعتها وأقرتها منظمة التجارة الخارجية التي فوضت المنظمة العالمية لصحة الحيوان لوضع الاشتراطات الفنية اللازمة لتصدير الحيوانات.. حية أو مذبوحة.. وعليه لا يتم قبول أي صادر حيوان من أية دولة قبل أن تضع عليه السلطة المخول لها تنفيذ وتدقيق المعايير اللازمة لتصدير الحيوان؛ ختم الموافقة والقبول. وهذه السلطة في السودان تقع تحت دائرة اختصاص وزارة الثروة الحيوانية وليس وزارة التجارة الخارجية!! ترقب المشفقون صراعاً بين وزارة التجارة الخارجية ووزارة الثروة الحيوانية حول هذا الموضوع قياساً على الخلاف داخل وزارة الإعلام الذي أطاح بالوزير ووزيرة الدولة.. لكن صمت الدكتور فيصل حسن إبراهيم وضع عدة علامات استفهام حول الموضوع.. وذهب الساعون بالأخبار إلى أن دكتور فيصل معتكف بمنزله احتجاجاً على فتح تصدير الإناث.. لكن المفاجأة أن وزير الثروة الحيوانية صارح المحيطين به داخل الوزارة من علماء ومستشارين لتقديم (دفوعات) منطقية ومقنعة لإبطال القرار الصادر من مجلس الوزراء عام 2009 القاضي بتصدير إناث الإبل.. ذلك أن القرار الصادر من مجلس الوزراء لا يمكن التراجع عنه إلا بمنطق علمي مؤسس على خلفيات وتقديرات محددة.. وحتى نبدأ جميعاً في تقديم مبررات موضوعية وبهدوء بعيداً عن الحدة والانفعال؛ دعونا نراجع أرقام صادر الإبل منذ تاريخ صدور القرار وحتى اليوم لننظر أين نحن وإلى أين سنسير.. - في عام 2009 تم تصدير 154 ألف رأس من الإبل بنسبة 15 % من الإناث. - في عام 2010 تم تصدير 172 ألف رأس من الإبل بنسبة 17% من الإناث. - في عام 2011 تم تصدير 150 ألف رأس من الإبل بنسبة 14 % من الإناث. - وفي هذا العام 2012 وحتى الثامن من شهر مايو الجاري تم تصدير 83 ألف رأس من الإبل بنسبة تزيد عن 3% للإناث.. وبالعودة إلى خلفيات تحديد نسبة الصادر من إناث الإبل نجد أن القوانين الصادرة بهذا الخصوص حددت النسبة ب 15 % لإناث الإبل.. وظلت هذه النسبة (محفوظة) حتى تمت زيادتها في السنوات الأخيرة إلى 30 % وبرغم هذا لم تتجاوز النسبة الرقم المسموح به في القانون الحالي.. نقول هذا من واقع المتابعة لملف الثروة الحيوانية عن قرب.. وكنت قد تصديت لهذا القرار أيام صدوره في عهد (عمنا) وشيخ العرب الأستاذ أبو كلابيش وزير الثروة الحيوانية السابق.. ومع كل الذي قلته يبقى السؤال مفتوحاً: كيف صدر القرار في عام 2009؟!!.. وهل كانت دوافع صدوره حينها لوجه الله أم أن الأمر وراءه ما وراءه من خيوط تحتاج الآن إلى مراجعة موضوعية تأخذ في الاعتبار الخطر الإستراتيجي الذي يواجه ثروتنا الحيوانية حتى لا تتم سرقة سلالاتنا النادرة ويسحب منا بساط (اللحم) كما تم من قبل سحب بساط الصمغ العربي والكركدي والقمح.. والقطن.. إذ عدنا اليوم نستورده من الدول التي كنا نصدره إليها مع احتطابنا ليلاً.. مع خالص الاعتذار للدكتور عبد اللطيف البوني.. غداً نلتقي