دشَّنت أحزاب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وحزب الأمة القومي والاتحاد الاشتراكي الديمقراطي، حملاتها الانتخابية مطلع الأسبوع الماضي تمهيداً لحشد التأييد الشعبي الذي سيدفع بمُرشّحيها إلى قبة البرلمان وقيادة الولايات ورئاسة الجمهورية، وسيلحق بها الحزب الشيوعي اليوم (السبت) ليضع قدمه على أول الطريق الطويل صوب تمثيل السودانيين وقيادة الشعب لأربع سنوات مقبلة. وكانت بدايات الحملات الانتخابية باردة، مقارنة بآخر انتخابات جرت بالبلاد في أبريل من العام 1986م، إذ بدت خطابات القوى السياسية مرتبكة وفقيرة وهتافية أكثر منها خطابات قوية ومسبوكة وآسرة. غير أن المعركة سرعان ما بدأت تسخن رويداً رويداً مع بزوغ فجر كل يوم جديد، وذلك لأسباب عديدة أهمها التعلُّم من الأخطاء التي صاحبت البدايات، والتطور الطبيعي لقادة سياسيين غابوا عن الخطابة الانتخابية لأكثر من ربع قرن من الزمان في بلاد كانت السبَّاقة في التجارب الانتخابية التعددية في محيطها الأفريقي والعربي. وكان الأكثر تطوراً خطاب مُرشّح المؤتمر الوطني، المشير عمر البشير، الذي بدا في مراحل حملته الانتخابية الثانية أكثر مباشرة وقرباً مما ينتظره الناخبون. وفي ذات الاتجاه نحا مُرشّح الحركة الشعبية، الذي بدأ حملته الانتخابية بخطاب أقرب إلى أركان النقاش منه إلى خطاب رجل دولة؛، حيث طغت على خطابه الهتافية والتهاتر، غير أنه سرعان ما عاد إلى الحديث عن قضايا مناصريه وهمومهم، وما يشغل بالهم، وإن أغضب هذا الخطاب قطاعاً عريضاً ما كان على عرمان الطامح في الولوج إلى القصر الرئاسي أن يخسره، لكنه هو أدرى بإدارة حملته الانتخابية. أما زعيم الأنصار، الإمام الصادق المهدي، فقد كان خطابه منذ البداية أكثر رصانة، وإن عابته الطريقة التبريرية التي وسَمَت خطابه، خصوصاً عندما يترافع عن فترة حكمه التي يصفها خصومه بالفشل، ولولا هذه التبريرية الغالبة لكان خطاب المهدي الخطاب الأكثر رصانة والأقرب إلى خطاب رجل الدولة. وليس غريباً أن يكون المهدي رصيناً في خطابه؛ فالرجل سياسي مخضرم خَِبر من خلال المراس الطويل وسائل وآليات الخطابة التي تقتضيها متطلبات العملية الانتخابية ورغائب الناخبين. وما زال المراقبون ينتظرون طلّة زعيم المؤتمر الشعبي ومُرشّح حزبه للرئاسة وبقية المُرشّحين لمنصب الوالي والدوائر الجغرافية والتشريعية لمعرفة الجديد في خطابه وشكل حملته الانتخابية. وبذات القدر ينتظر الناس مُرشّح الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل للرئاسة السياسي الشاب، حاتم السر، لكشف عناصر المشهد السياسي الذي بدا مضطرباً لكنه يخطو الآن نحو معركة انتخابية يبدو أنها ستكون مثالية وفقاً للبدايات التي كثيراً ما تؤشر على الخواتيم، وإن كنا في السودان تنتظرنا المفاجآت عند المنعطفات والمنعرجات فتنسف كل تحليل رصين أو تقديرات عشوائية على حد سواء.