ليس صحيحاً أننا نهرب من الحاضر بالالتحاء الى التاريخ. ونحن منغمسون في الحاضر فهو قبل كل شيء حياتنا.. التي نعيشها كل لحظة. لكننا لا ننفي إهتمامنا بالتاريخ الذي هو من أكبر معينات فهم الحاضر.. ورغم القراءات الكثيرة في التاريخ إلا أن معرفته لم تكتمل.. ولن تكتمل أبداً.. وعند كل قراءة نكتشف جديداً.. ونصحح خطأً وننصف مظلوماً ونغير أفكارنا وتقييماتنا لمن كنا نتصور أنهم أقرب البشر الى الكمال.. وهذه هي متعة التاريخ.. وأنت معه دواماً إزاء كتاب متجدد.. متخم بالحيوية.. والتاريخ هو حياتنا زمان.. وكان الاستاذ أحمد بهاء الدين يقول: الانسان حيوان له تاريخ.. وهو ملم بهذا التاريخ.. وهو تعريف أقرب من بعض التعريفات القديمة من شاكلة الانسان حيوان ناطق. ورغم أن التاريخ على هذه الدرجة السامية من الأهمية إلا أن المكتبة السودانية التاريخية في غاية الفقر. ومرة أول الثمانينيات قال لي البروفيسور محمد عمر بشير رحمه الله في مكتبه بمعهد الدراسات الافريقية والآسيوية «إذا أردت مائة سطر عن الزعيم اسماعيل الازهري فإنك لن تجدها في هذا المعهد». وليس الأمر قاصراً على الزعيم الازهري وحده.. وإنما يشمل كل قادتنا منذ شبتاكا وبعنخي وترهاقا. وفي التاريخ الحديث كم عدد الكتب التي ألفناها عن المهدي وخلفائه وكبار أمراء الدولة المهدية وقادتها؟.. كم عدد الكتب التي أنتجناها عن عبيد حاج الأمين ورفاقه في جمعية الاتحاد السوداني.. واللواء الأبيض وعلي عبد اللطيف وصحبه؟. وما الذي كتبناه مما يبقى ويستحق عن مؤتمر الخريجين وقادته الذين هم آباء الاستقلال؟.. وهل في المكتبة السودانية كتاب معتبر عن الفريق عبود.. وآخر عن الاستاذ سر الختم الخليفة؟.. وماذا عن الرئيس نميري وزملائه مدبري ومنفذي إنقلاب مايو 69 الشهير بثورة مايو الذين حكموا السودان 16 سنة؟. لقد كانت طباعة الكتب في السودان في الماضي صعبة وشائكة ومكلفة لكنها الآن مقدور عليها ورغم ذلك يزعم المرء أن باعنا في تأليف الكتب مازال قصيراً. رغم وجود عشرات الكتّاب الممتازين ورغم أن حياة كثير من السودانيين تستحق أن تبقى والى الأبد في شكل كتاب أو أكثر.