{ انتهى العام الدراسي في عموم مدارس السودان وبدأ العدّ التنازلي للعطلة الصيفية من الأهل الذين للأسف يتعاملون معها باعتبارها همّاً لا يفوقه الا الإعداد للعام الدراسي القادم! لهذا يصرخون بعد إزعاج الأبناء (والله المدارس دي ماسكه بلاء!) { والمدارس الحكومية بالطبع «مبليّة» بالأبناء والعجز في الإجلاس والكتب والمعلّمين! فما خفي في عالم التعليم يبدأ من هنا ولا ينتهي أبداً، فالمعلومة القديمة عن فقر المعلّم وما يصاحبها من نكات ساخرة من أوضاعهم المالية مقارنة بأبنائهم الذين تخرجوا على أيديهم.. جعلت الكثير من أذكياء التعليم يلجأون لبدعة المدارس الخاصة، خاصة بعد الاتجاه السوداني الجديد لخصخصة كل ما هو حيوي في بلدنا، فأصبح بعض المعلمين ينعمون بواقع أفضل بكثير من طلابهم، وصار المفعول به فاعلاً في زيادة فقر الأهل المعسرين! { وللمعلم حقوق كثيرة على الدولة لا يأخذها لمجرد صمته المؤدب في المطالبة بها وعدم لجوئه السياسي إلى الإضراب - اللّهم الا ما ندر - لتوصيل صوته الهامس إلى المسؤولين.. فتتراكم حقوقه عاماً بعد عام حتى يُحال إلى المعاش الرمادي ويتحول إلى قاص شفاهي لحكايات الإنسان المعلّم وبطولات الأسماء التي درّسها! أو جالس على جانب ظل زمن انتظار الأجل يرد على تحية: (وين يا معلّم؟) بأسى ساخر: (موجود)! { وهم بالطبع موجودون كرسل للعلم، لكن وبمبدأ أن لا كرامة لنبي في أهله فإن وزارة التربية والتعليم لا تتكفل بإيفاء الحقوق المادية للمعلّم الكائن في المناطق الطرفية، بالذات إذا كانت هذه المناطق داخل الخرطوم أو خارجها كولاية.. فتقبع أجورهم بالشهور تتراكم في الخانة الخالية لخزانة الولاية والمحلية والإدارة و.. و.. الخ.. ويجف حلق المعلّم - الجاف أصلاً - من المطالبة بها، فيستعين مجبراً بمال الطلاب من (قروش الدرس) وحتى (قروش النظافة) كمحاولة للاستمرار في الحياة والتعامل مع الواقع بأفضل الأضرار. { قد ينهض منكم من يصب جام غضبه على المعلّم باعتباره المسؤول الأول عن تردي نسب الأبناء في صفوف الدرس وعن غياب الطلاب عن صفوف الدرس - الذين لا يملكون حقه - وعن هبوط التعليم في السودان بأكمله.. لكن - مدافعة - أليست هي سلسلة متصلة الحلقات والمهمات؟ فإذا وجد المعلّم المتهم مرتبه آخر الشهر بكل احترام وتبجيل له على منضدة المدير بعد إحضاره من خزانة المحاسب بالمحلية.. هل سيلجأ الى (عصر) الطلاب بكل هذه الجباية اليومية أو الشهرية؟ { هل إذا استوفى حقوقه بالعلاوات والبدلات كل عام بما ينص عليه قانون العمل والخدمة المدنية.. هل سيضطر إلى اقتسام أموال الأهالي بالشراكة مع زملاء العمل ومديره؟ { إن الحقوق المادية لفئات مهمة جداً في تحقيق التنمية لأي بلد يجب أن تجد أهتماماً أكثر من فئات أخرى قد يبدو أمرها ليس بذات القدر العالي من الهم.. وانظروا سياسة ليّ الذراع الموجوعة أصلاً التي مارسها الأطباء المطالبون بحقوقهم المادية وكيفية تأثيرها الكبير على حيوات الناس الذين سيضطرون مجبرين للّجوء إلى الخاص في التعالج مما يفقد الدولة - بعد الثقة - المال! { وهو ما يتم الآن وبلا إضراب في التعليم، فإذا لم يضرب المعلّم خارج مدرسته اغترب داخل بلده بالهجرة إلى التعليم الخاص، ولينظر السيد وزير التربية والتعليم إلى كمية البيوت المتحولة جينياً إلى مدارس خاصة تتنافس في الرسوم المرهقة والجباية السنوية وليقارن بين (استاف) المدارس الخاصة والحكومية بدءاً من الشكل الخارجي وحتى الهم الداخلي! { إنها حقوق لا تقبل القسمة على أية مجادلة حولها أو حتى سياسة - سفسطائية - لن تفضى إلى نهاية سعيدة، فإما أن توفى هذه الحقوق كاملة إلى أهلها وبلا مزايدات حول إنسانية المطالب والولاءات.. أو أن تتوفى نفوس المطالبين بها بلا رحمة أو واجب عزاء لإنسانيتهم... { إن حقوق المعلّمين - في الأطراف - ورغم الصمت المطبق عليها وعلى كل الفساد المصاحب لها وعدم هزّه بالنقاش إلا أنها قد أصبحت كقضية واحدة من خلايا النحل الهائج في هذه البلاد.. لمّا ينتشر لن يختار في لسعاته بين الحسّاس ومتبلِّد الجلد.. من المعلمين والسياسيين!.