{ بالتوقع نفسه كل عام وبذات الإهدار العجيب للطعم الماسخ في التصريحات والكلمات وبترديد مأثور لأغنية الراحل سيد خليفة الشهيرة (نانا) ولمقطع (سكرنا مسختو) تطرح أزمة السكر منتجها الجديد المسيخ وتطرحه في أشواق الناس وعلى الرفوف العليا في دكان اقتصاد السودان كإنتاج حصري قبل شهرين أو أقلّ من رمضان. { ورمضان موسم الطعم المركّز من كل شيء السكر والعمل الصالح والأكل كذلك يقترب بهدوء مخيف للمواطنين والتجار. فالمواطن السوداني العادي لا يعرف الفلسفة الاقتصادية الاحتكارية التي تقتضي أن يبدأ بتخمير الحلو مرّ أولاً في قائمة أولويات الشهر العظيم ثم فتح منافذ النفس لتوسوس بتخزين المواد التموينية المستحبة لرمضان حتى لا يصاب بالهلع من قدومه حيث أنه شهر إيماني لا استهلاكي والإيمان ينبع من الطمأنينة المشبّعة بها النفس والنفس الجزوعة الاحتكارية لا تعرف الطعم الحلو في كل ذلك. { وكذلك التجار العشرين الحصريين لكن بوعي تام لتخمير فكرة الاحتكار والتخزين للسلع الأهمّ السكر طبعاً فالمهمة من حيث رفع أسعارها وتقليل وجودها في الأسواق كل هذا بطريقة تستوعب جيوب كل أولئك المواطنين وجيوش تجار السكر المُبعدين الذين قد يغذّوا الأفكار الشيطانية للتخزين بنمل الأحاديث والثرثرات والاحتجاجات التي لا تغيِّر شيئاً لكنها بالطبع تثير بلبلة غير مستحبة في نفوس التجار المطمئنة بإيمانها في شركة السكر السودانية التي منحتهم الأفضلية في الهلع الاستهلاكي الموسمي ليعرف بقية التجار والمواطنون الأغبياء قيمة الطعم الحلو بعد أن جربوا مُرّ العدم فيدفعوا مقابل رشفة بيضاء من السكر مخزونهم الاستراتيجي لكل الشهر. { والمخزون الموسمي كل عام من التصريحات السكريّة تجعلنا مصابين بالحرقان وارتفاع نسبة السكر في السوائل العقلية عندنا، نفس الكلام والاتهام من الدولة للتجار ومن التجار للدولة ومن المواطن لنفسه!! نفس الارتفاع في سعر الجوال وبالتالي الرطل مازال من العام الماضي على زيادته القديمة لم يعد نفس الهبوط في الأخلاق الاقتصادية للربح من السلع الضرورية للناس باحتكارها ووضع الطعم الحلو تحت مُرّ رحمتهم الجشعية باعتبار أنهم كتجار جملة حصلوا على حق البيع المباشر من الشركة دوناً عن بقية التجار وعلى علم الدولة متمثلة في شركتها ووزارة صناعتها وتجارتها والى آخرتها! { والرأي العام المصطلح وليس الجريدة يعلن عن قلقه عبر متيسر القنوات الفضائية الخاصة التي تتناول ملعقة خفيفة من السكر خوفاً من زيادة الضغط عليها من ذات الدولة.. أما الصحف فبجانب الأخبار المتفرقة والمتلاحقة للأمر باعتباره موضوع الساعة لمعصم شهر رمضان الموصولة بيد الشعب المغلولة الى عنقه من شدّة الفقر فإنما يتناوله على شاكلة الفضفضة الورقية من أعمدة ورأي لا بيودي ولا بيجيب فغير كونه على مسؤولية صاحبه ولا يمثل بأية حال من الأحوال السياسة الصحفية للجريدة التي يرتكز فيها، فإنه على قدر وافٍ من فقدان الحواس، الشم واللمس والتذوق، بالطبع فلا عجب أن يكون هذا الحديث كذلك مسيخاً وأكثر من المسخ الشيطاني المتمثل في فوضى السكر. { إنها فوضى من نوع مرتب جداً كالمافيا التي تتفنّن في قطع رقاب من يعصيها ويخالف سياساتها المتعسفة وبدون أن يطرف لها جفن. فرقاب جيوب الناس متقطعة الأوصال بين توفير الالتزامات الشهرية للمدارس والجامعات ناهيك عن فواتير المرض المزمن في خلايا كل المواطنين، وعمتي متعها الله بالصحة كلّما ساقتها سنواتها الكبيرة العمر للمستشفى تقول: «البيشوف كنب المستشفيات يقول مافي زول شديد في البلد دي»!! وفي هذه البلد بالطبع هناك الكثيرون جداً الشديدون على الناس من حيث التحكم في درجة الطعم في طعامهم وشرابهم وحياتهم في العموم.. فالمواطن لم يعد أبداً منتجاً مهما بلغت صنائعيته وإنتاجه اليومي من صادر فهو بلا شك سيأخذ قيمة إنتاجه ليدفع بها الى السلسلة الشرائية المتشعبة من العلم حتى الطعم. { وعلى علم الدولة يمارس التجار نظرية (التجارة شطارة) التي تشطر هذا المجتمع الى أنصاف من كل شيء فلا يوجد نصف مكتمل أبداً؛ نصف أغنياء، نصف متعلمين، نصف فقراء، نصف مرضى، نصف سياسيين، نصف حكّام ونصف تجار لا ريبة! { فالتاجر الذي يغلق مخازنه في وجوه التجار الآخرين بدعوى أنه أخذ تصديقه لذلك ويباشر في تنفيذ أمانيه بوضع الرقم الذي يناسب شهوته بالثراء السريع هو نصف تاجر إما نصفه الآخر فشيطان يرتزق بأحلام الناس. { والناس تشتهي في أحلام يقظتهم أن يهبط من السماء ماء فيذيب سعر السكر وينزل الى الأرض ليستطيع صاحب أقلّ دخل الحصول على طعم مركّز من حصته الطبيعية في السكر. والتجار الذين هم قرابة الألف ممّن لم يَرسُ عليهم الاحتكار يشتهون ذات الماء لكن بدلقه على مخازن التجار الصفوة فيذيب أموالهم المخزّنة سكراً على الأرض!! { وإن نزل السعر أو المطر على السكر فإن الأزمة ستظل مستمرة مادام الجشع هو الطعم الوحيد اللذيذ في حاسة ذوق التجار والشركة وستبقى مجرد تواريخ متغيّرة في ذاكرتنا لذات الحدث المسيخ كل عام!