من الواجبات الكبيرة، والمسؤوليات الجسيمة التي تقع على عاتق أية دولة؛ العمل على حفظ وحدة البلاد من خطر التمزق والتشرذم والتشظي والعمل الجاد من أجل الحفاظ على كيان الأمة ووحدة صفها وسلامة نسيجها الاجتماعي من الانقسام والتهتك، وردم الفجوات التي يحدثها الاختراق الخارجي المغروض في الصف الوطني. ولكن العمل على وحدة البلاد يجب أن يكون مطلب أي غيور حادب على مصلحة البلاد، ولا يجب أن يترك للدولة وحدها، ومسؤولية الدولة إنما تكمن في تهيئة الأجواء والمناخ العام عن طريق فتح الباب واسعاً أمام المبادرات الوطنية شعبية كانت أم حزبية لتلعب دورها في هذه القضية الحساسة والمهمة والمصيرية، فالشعارات البراقة والأماني الوردية الحالمة التي تنادي بوحدة شطري البلاد الشمال والجنوب لا تكفي وحدها لبقاء السودان موحداً مستعصماً بالبعد عن أطماع الآخرين. وقضية الوحدة هذه يجب أن تتضافر عليها كل الجهود الرسمية والشعبية. والمجهود الجبار الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في العالم المتقدم، وتجاربها الثرة في مثل هذه القضايا؛ ينبغي الاستفادة منها هنا مع مراعاة خصوصية السودان والتركيبة الإثنية المتعددة له، ولكن الناظر إلى دور منظمات المجتمع المدني في بلادنا يصاب بخيبة أمل كبيرة، فهذه المنظمات تفتقر إلى المبادرات الجادة والبرامج المبتكرة، فهي دائماً تغرد خارج السرب، فعندما تفصل هذه المنظمات البرامج والمشاريع، ينصب جل همها في استقطاب الميزانيات والموارد التي تتيح لطواقم هذه المنظمات ضمان التدفق النقدي حتى تتضخم النثريات المكتبية والمصروفات الإدارية من مرتبات وحوافز ومصروفات على الفصل الأول على حساب المشروعات والبرامج التي قامت من أجلها المنظمة مما يؤدي إلى فقدان مصداقية هذه المنظمات أمام المانحين والداعمين، لذلك ينبغي لمنظماتنا أن تتنبه إلى مثل هذه الأشياء وأن ترتقي إلى مستوى المسؤولية والتحدي وعلى الدولة أن لا تقف عند تفكير هذه المنظمات وتجعلها حجر عثرة في طريق تطورها وتقدمها ونمائها، بل يجب أن تنظر إلى النصف الممتلئ من الكوب وأن تعمل على إجبار هذه المنظمات على توفيق أوضاعها عن طريق الرقابة والمتابعة من قبل مسجل المنظمات بوزارة الشؤون الإنسانية. إن المنعطف التاريخي الذي تمر به البلاد، ومرور نصف الزمن المحدد لإجراء استفتاء حق تقرير المصير الذي نصت عليه اتفاقية نيفاشا؛ يتطلب تضافر الجهود الرسمية والشعبية لجعل خيار الوحدة هو الخيار الغالب، لذلك يجب على منظمات المجتمع المدني أن تتحرك وبسرعة لتلعب دوراً أكثر فاعلية في سد الذرائع والمناداة بوحدة البلاد، لتثبت أنها منظمات وطنية جادة وحتى تسجل اسمها في سفر التاريخ الذي لا يرحم. هذا من جانب، ومن جانب آخر يجب على الأجهزة الإعلامية أن تلعب دوراً أكثر فاعلية وأن تفرد حيزاً أكبر في خريطتها البرامجية للحديث عن الوحدة وتناول الإيجابيات الكثيرة التي تكمن في وحدة البلاد والمخاطر الجلية التي تنطوي على الانفصال، فالتناول المسطح لهذه القضية لا يفيد الوطن في شيء بقدر ما يعمق الجراحات ويدميها، لذا ينبغي على الأجهزة الإعلامية أن تعي المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتقها، وينبغي أن تعمل لخير الوطن والمواطن في ما يتعلق بهذه القضية المصيرية رصداً وتحليلاً وتقييماً للأحداث بما يمليه الضمير الوطني فحسب، دونما محاباة لأية جهة.