الجمعة الماضية وكما نعلم جميعنا زلزلت أرض الخرطوم زلزالها الخفيف الذي بحسب أهل الرصد والجو والأرض لم يتجاوز الثلاث من عشر بحسب ميزان (ريختر) لقياس الهزات الأرضية، لكن خفيف الهزّ لم يمنع أن يتساءل الناس ما لها؟ وكانت صاحبة السبق الإذاعة السودانية الرائدة في الإجابة عن سؤال الناس، ثم قناة الشروق الفضائية ثم أخيرا تلفزيون السودان. ولن أتطرق لمكاتب القنوات الخارجية فهي كالعادة أسرع في عدتها وأعدادها مناّ! وطفق أهل الأخبار يبحثون عن هاتف (د. معاوية شداد) المعروف ليحدثنا عن حالها - الهزّة -والخرطوم، ولم يفد مذيعة أخبار الشروق بشيء جديد سوى أن الهزات الأرضية تم التعود عليها في الخرطوم وقال ( قبل كم سنة حدثت هزة أرضية خفيفة برضو)! ولم يحدد مقدار كم السنوات تلك، وجعلها مفتوحة حتى لا يغالطه أحد في يوم زائد أو ساعة ناقصة.. أما د.( نايلة) مديرة إدارة البحوث بمركز الزلازل السوداني فقد أفحمت مذيع نشرة العاشرة بتلفزيون السودان بعدم علمها عمّا يتساءل الناس عنه، لكنها وللحق فقد عددت بدقة بحثية الأعوام التي فيها هزّت الخرطوم قشرتها الأرضية ورزّت ! وصدر الناس أشتاتا في آرائهم، البعض يعلل والآخر يحلل والأكثرون يكثرون من الاستغفار والتسبيح، فقد صادفت الهزّة يوم السابع والعشرين من رجب المبارك رغم اختلاف العلماء في بدعة الاحتفال به أو الصوم تقربا أو حتى الكرامات، وهذه مصادفة تجد في نفوس الناس هوى الغيبيات الذي يؤكده أهل العلم والجو بعدم تبريرهم العلمي لما حدث نهار الجمعة الماضية! المعللون يقولون إنها بفعل فاعل! بمعنى أن المتسبب فيها الإنسان وآلياته الثقيلة ومصانعه ومخلفاتها الكثيرة المضرة و..و.. الخ، التي تضر بالقشرة الخارجية للأرض وتذهب عميقا إلى الداخلية فتؤثر فيها وتتأثر بها فتهتز قليلا! ومن جراء الحفر والتنقيب غير العلمي ولا الرشيد للبحث عن خزائن الأرض غير المعلومة من ذهب ونفط ومعادن أخرى يكشفها جهاز التنقيب عن الألغام - وهي كذلك مشتبه بها وضليعة في هزة الخرطوم! والمحللون يرون أن الضغط الكبير الذي تتعرض له القشرة الأرضية في الخرطوم من جراء السيارات والأقدام والحفر - بغرض البناء وغيره - أضعف الصفائح التحتية التي ترتكز عليها وعرّض الطبقات الداخلية الى الإصابة بمرض الزلزلة الذي يصيب القشور الأرضية ويحيلها متصاعدة إلى تراب غير متماسك الذرّات ثم بعد قليل يهتكها فتنهار بكاملها على الأرض ذاتها! وأهل العلم والرصد والجو الذين ينتظرون الكوارث الطبيعية - مثل هذه - لتأكيد وجودهم وضرورة عملهم لا يعرفون ماذا ينطقون؟ ولا يبررون الهزة التي تعرضت لها ولاية الخرطوم دون غيرها من مناطق في السودان بل ومناطق محددة في الولاية دون غيرها كذلك, وينتظرون أن يقوموا بدراسات تؤكد السبب ! لكنهم ينثرون غبار الطمأنينة بين آذان المواطنين بأن هزة مثل هذه خفيفة لا تبعث الخوف ولا القلق في النفس ولا على الأموال، لكن الاجراءات الاحتياطية ضرورية، كأن لا يسكن مواطن في مكان عال وأن يتخيروا الأماكن المفتوحة في حين حدوث هزّة أخرى غير معلن ميقاتها! وفي حال حدوثها فهم لن يبرحوا عاكفين حتى تنتهي وحالهم العلمي يردد على نسق مقطع الشاعر الثوري (هاشم صديق ): (غني يا خرطوم وغني شدي أوتار المغني.) إلى ( هزي يا خرطوم ورزي.. شدي أوتار الأراضي والقشور المهتريّة )!! وميقات الهزّات له مؤشرات ودلالات أولية مستبقة، وقد تطور العلم وتمكنت أجهزة الرصد أكثر من الشعور البشري العادي، أن تعرف متى وأين تحدث الهزّة؟ وما المتوقع في قادم الأيام؟ - كما نشرة الطقس وأحوال الجو اليومية - وقديما جدا كان الناس يعلمون انقلاب باطن الأرض بحركة الحيوانات التي - سبحان الله - تستشعر مؤشراتها الحيوية الدقات الخفيفة الأولية لأي هزة أو إعصار فتحاول الحيوانات الاختباء والسكون لحين مرور الانقلاب الجوي المعين.. وما يتعين لنا من أمر الإرصاد الجوي وعلماء الفلك والجيولوجيا الخ.. أن حرف الدال المسبوق بالأسماء الكبيرة، ما هو إلا احتمالات واحتفالات بدرجات علمية لم تختبر على قشرة وصفائح أرض الواقع العملية ولا واجهت انقلابا أرضيا واحدا يمكن أن يؤكد بما لا يدع مجالا للسخرية أن الدال المستبقة الاسم دليل علمي عن علم وخبرة وأداء وليس مجرد (دلال) لاسم يسبقه! ما سبق من هزات في الخرطوم يجعل الفيزيائيين يؤكدون أن الثبات في قشرتها قد تحول بفعل البشر الذين دمروا أغلى وأكبر المدن والحضارات على مرّ التأريخ أو بفعل الدهر الذي قد أغرق ذات عهد قارة أطلانطا في المحيط وفرّق العالم الى قارات تتقاتل اليوم لتثبيت أحقيتها الأرضية.. وهو شيء مخيف على مداه البعيد - القريب - فكما مرّت علينا الانفجارات بركانية في غير أمكنتها وكما شهدنا هزّات غيرت قشرتنا وكما تهتكت أرض جبلية من دون مسبب خارجي، يمكن أن تتحول هزّة بمثقال ثلاث ريخترات خفيفة الى كارثة خرطومية تضاف الى قائمة كوارث السودان غير الطبيعية..!