اتسم التركيب السكاني للسودان بالتعددية العرقية واللغوية والدينية. ويختلف سكان السودان الجنوبي عن سكان السودان الشمالي في جميع هذه الجوانب، ولذلك حينما اشتعلت الحرب الأهلية الثانية بجنوب السودان في مايو 1983م وأعلنت الحركة الشعبية عن تكوين الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة العقيد الراحل د.جون قرنق أوضحت الحركة أن هدفها تأسيس (سودان جديد) قائم على المساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وأطلقت عليه الحركة (السودان الجديد) وفي ذلك الوقت اتفق البعض مع تلك الأطروحة واختلف معها آخرون ولكنها في خاتمة المطاف تعد (فكرا سياسيا سودانيا خالصا) مستنبطا من الواقع ويسعى لإيجاد حلول للمشاكل السودانية بعقل وتفكير سودانيين، ونجد أن الزعيم (قرنق) أوضح في عدة مناسبات أن رؤية السودان الجديد ترتكز على تحليل علمي للأوضاع وتستند على تقويم يقوم على واقع السودان التاريخي والمعاصر. وشدد على ضرورة تأسيس السودان الجديد على الواقع وليس على الخيال ودعا الى وحدة جديدة تقوم على واقعين الواقع التاريخي أو التنوع التاريخي والواقع الثاني أطلق عليه التنوع المعاصر أو الواقع المعاصر وقال إن هذين الواقعين يمثلان عنده عناصر تتأسس الوحدة عليهما. ونوه قرنق في رؤيته للسودان الجديد لضرورة الرجوع الى الماضي لإدراك الحاضر وتمهيد الطريق الى المستقبل وضرورة الاهتمام بتاريخ السودان القديم والممالك التي نشأت في السابق. وأضاف أن هذا هو ما أطلق عليه التنوع التاريخي وقال إن السودان جميعه ما زال وحتى الوقت الراهن يتشكل ويكون جزءا من هويتنا. وطالب بأن «نكون فخورين بتاريخنا ويجب أن ننقله لأولادنا وتضمينه في المناهج التعليمية وتدريسه للطلاب لكي ندرك ثقافتنا وثراء ماضينا». وأردف أن هذا هو التنوع التاريخي الذي كان يقصده، وتطرق قرنق في رؤيته للسودان الجديد لشكل ثانٍ للتنوع وهو ما أسماه ب (التنوع المعاصر) حيث قال إن السودان يتكون من قوميات متعددة ومجموعات إثنية متعددة وتوجد به أكثر من (500) مجموعة تتحدث أكثر من (100) لغة مختلفة، مشيراً لوجود أديان مختلفة بالسودان، وأضاف أن هناك المسلمين والمسيحيين وأصحاب كريم المعتقدات الأفريقية وأديان مختلفة جميعها متعايشة منذ زمن بعيد وهى (الإسلام والمسيحية والديانات الأفريقية التقليدية). وأردف أن هذا هو التنوع المعاصر (قوميا) وإثنياً وثقافياً ودينياً ويشكل جزءا من السودانيين، وتعتبر تلك الرؤية أن التحدي الذي يواجه السودان هو صهره لجميع عناصر التنوع التاريخي والمعاصر لإنشاء أمة سودانية واستحداث رابطة قومية تتجاوز تلك (المحليات) والاستفادة منها دون نفي أي من هذه المكونات حيث أن وحدة السودان يجب أن تأخذ هذين المكونين لتطوير الرابطة الاجتماعية السياسية وتستند على التنوع التاريخي والمعاصر للشعور بأنها تضم جميع السودانيين ويفخر الجميع بالانضمام إليها والدفاع عنها.. وحدة تشمل جميع السودانيين بغض النظر عن العرق والقبيلة والدين. وفيما يتصل بعلاقة الدين بالدولة تشير رؤية السودان الجديد إلى أن أي مجتمع يقوم على مكونات مبتسرة لا يمكنه أن يصمد أو يعيش طويلا وهذا ما ينبئ به تاريخ البشرية، فالمجتمع المفتوح والذي يضم ويستوعب مواطنيه هو القابل للحياة والنمو والقادر على التكيف بسهولة وعلى أن يستمد أسباب القوة لاستمراريته وبقائه. وهنالك أشياء صغيرة تفرق بين السودانيين، أشياء ليس من الصعب أن نجد لها حلولا ويمكن معالجة الأمور الكبيرة، فقضية العلاقة بين الدين والدولة والتي أفضت إلى شروخ في نسيج المجتمع السوداني في ظل ما تتميز به من تنوع لا يجوز أن يكون للدولة دين ولا يمكن أن نتوحد على هذا النهج، فليس كل السودانيين بمسلمين وحتى بين المسلمين لا يوجد اتفاق حول نموذج (الشريعة)، وذكر قرنق في مرات عديدة أن مفهوم الحركة الشعبية يتمثل في أن الإنسان بطبيعته روحاني وللجميع معتقدات وإن اختلف شكلها سواء أكنا مسلمين أم مسيحيين فهذه هى الروحانية وبهذا لا يمكن حظر الأديان عن أي مجتمع فهي جزء من التركيبة الإنسانية والقضية تتلخص في كيف يمكننا أن نربط بين الدين وهياكل المجتمع الأخرى، ويشرح هذا الأمر بقوله إن الدين هو علاقة بين الإنسان وخالقه وأن هذه العلاقة تحكمها التشريعات الدينية بينما العلاقة بين الإنسان والأشياء الأخرى مختلفة وذلك لأن الدولة مؤسسة اجتماعية أوجدها البشر ولذلك تختلف عن العلاقة بين الإنسان وخالقه وأن هذه العلاقة تحكمها التشريعات الدينية بينما العلاقة بين الإنسان والأشياء الأخرى مختلفة وذلك لأن الدولة مؤسسة اجتماعية خلقها البشر ولذلك تختلف عن العلاقة بين الإنسان وخالقه: (فلماذا نفرق أنفسنا في خلط المواضيع ونفرق بين شعبنا نتيجة لذلك؟، وقال نحن في المجتمع نسعي إلى اقامة مجتمع ديمقراطي ويجب أن يكون مصدر التشريع هو الدستور وليس الدين وأن يكون دستورا ديمقراطيا.. دستورا يكفل حرية الأديان بحيث نخصص فيه قسما للدين والعرف وسيشمل الدستور فصلا عن الحقوق الأساسية والذي سيتضمن حرية الأديان والعبادة، فيمكن أن يتوافر للمرء أي شيء يرغب فيه فالجميع يصادفون ترحيبا إن كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يؤمنون بمعتقد آخر). وظل قرنق يؤكد دوماً في رؤيته للسودان الجديد بأنهم ليسوا ضد الإسلام ولا يمكن أن يكونوا ضده لأن ذلك يعني إيذاء أهله وهم الغالبية، ودعا لتجنب الأمور التي تفرق بين السودانيين لأنهم بصدد بناء أمة. وأضاف بأنه لا يمكن أن نوجد أمة تقوم على التهافت بالتفريق بين الناس، وأردف : هذا الأمر يعالج بأن يكون الدين على مجال الفرد أمرا خاصا فهو معتقد وهو شيء روحاني، ففي بلد متعدد الأديان يجب إتاحة الحرية الكاملة لكل الأديان بإيجاد سودان يقوم على حقائق الواقع الملموس والتنوع التاريخي والمعاصر باعتباره الطريق الى الأمام لمستقبل بلادنا. ومن بين أهداف الحركة الشعبية وحدة السودان والتي تقوم على حقائق الواقع، فأية وحدة خلاف لذلك غير قابلة للتطبيق. وتحدث قرنق خلال ندوة القاهرة التي ألقاها في عام 1997م بأن الجيش الشعبي هو جيش قومي (حيث يوجد فيه جيش يوسف كوة في جبال النوبة ويتكون من النوبة وجيش مالك عقار في جنوب النيل الأزرق ويتشكل من أهالي منطقة الأنقسنا، وقد كونت الحركة لواء اسمه «لواء السودان الجديد» وهو ينسجم تماما مع وصف البوتقة التي تنصهر فيها كل قوميات السودان، وكانت فكرته أن يتكون «لواء السودان الجديد» من فصائل التجمع الوطني الديمقراطي التي تحمل السلاح مثل «جيش الأمة وقوات الفتح وقوات التحالف السودانية وقوات البجا وقوات التحالف الفيدرالي وغيرها من القوات» والتي ستنصهر جميعها في جيش السودان الجديد). وأضاف أن كل هؤلاء سيشتركون فيما يحدث من تغيير فليس هنالك من سيقوم بتحرير الشعب السوداني غير الشعب السوداني نفسه. وأوضح أن رؤيتهم علمية لأنها تقوم على حقائق علمية وهى لا تستند إلى تهيؤات وتخيلات أو انتهازية ولكنها ترتكز على الواقع وهذا هو الطريق إلى الأمام. وقال إن الأمم تتكون نتيجة للتحركات التاريخية للبشر فالناس يتحركون ويتنقلون لأسباب متعددة ويتحركون هربا من الاضطهاد الديني. وقال إن الحياة يجب أن تستمر وتتفاعل بين هذه المجموعات البشرية في المجال الاقتصادي وفي المجال الاجتماعي وفي المجال السياسي وفي المجال الروحي، وبمرور الوقت تنشأ رابطة اجتماعية وسياسية بينهم لها خصوصياتها وهذا هو ما حدث في كل مكان في العالم وحتى (أمريكا). وقال قرنق إن مهمتنا وواجبنا أن نوجد سودانا ننتسب له جميعا ورابطة اجتماعية سياسية ننتمي إليها جميعا وندين لها بالولاء الكامل بغض النظر عن العرق أو الدين أو القبيلة أو الجنسية حتى تستطيع المرأة أن تساهم بفعالية. وأضاف قرنق أن هذا هو السودان الذي تهدف الحركة الى اقامته. وناشد الشعب السوداني أن يعي أن هذا هو اتجاه المستقبل «لكي نصبح أمة عظيمة وشعبا عظيما يجب أن نسير في هذا الطريق». وفي سياق تعليقه عن مستقبل مشروع السودان الجديد قال القيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان ونائب رئيس المجلس الوطني أتيم قرنق ل (الأهرام اليوم) إن مشروع السودان الجديد هو قضية عدالة، وتساءل.. هل شمال السودان سيتخلى عن العدالة ويرجع الى وحدة نظام عام 1956م والذي اعتبره نظاما ظالما؟! وأضاف أنه بسبب هذا الظلم فإن النيل الأزرق حملت السلاح ودارفور حملت السلاح وجنوب كردفان حملت السلاح. وأردف أن السودان اذا لم يركز على العدالة التي ستكون مبنية على المواطنة بالتأكيد لن يستقر، وقال اذا حدث انفصال فإن دولة الشمال لن تكون مستقرة بدون عدالة وكذلك نفس الشيء في دولة الجنوب إذا لم تنفذ العدالة أكيد أن الجنوب لن يكون مستقرا، وأضاف أتيم أن العدالة والمساواة ومبادئ السودان الجديد أينما تذهب إذا لم تقم بتنفيذها سيكون لديك مشاكل وإذا قمت بتقسيم السودان إلى خمس أو ست دول كذلك فإن جميع هذه الدول تحتاج إلى هذه المبادئ لأنها قضايا عالمية.. مبادئ الحق، وأضاف أتيم قائلا «إذا وصل الناس لقناعة أن جميعنا لنا الحق في أننا نؤدي واجبا في هذا البلد بالتفاهم وبالجلوس على طاولة الحوار فإن مستقبل السودان يمكن أن يكون جميلا ومستقبلا يمكن أن يكون فيه استقرار حتى ولو حدث انفصال الجنوب. وطالب بالتخلي عن نظرية المؤامرة، مؤكدا أن هذا البلد.. مواطنوه سيقبلون ببعضهم ويستطيعون أن يناقشوا قضاياهم بدون شك في الآخر ولكنه عاد وانتقد روح الشك هذه، وقال إنها إذا ظلت موجودة فإن مستقبل البلد لا أظنه سيكون كما نحلم به على حد تعبيره.