السفير الدكتور محمد أحمد عبد الغفار الاستاذ المشارك بجامعة الخرطوم في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الدبلوماسي والسفير السابق في عدد من السفارات السودانية والمختص في ادارة الأزمات والعلاقات الدولية في عدد من المراكز البحثية ومراكز صناعة الرأي والجامعات السودانية، التقت به «الأهرام اليوم» وقلبت معه عدداً من الملفات المتعلقة بالشأن السوداني وعلاقاته مع المجتمع الدولي وكذلك عدداً من الملفات الدولية. معاً نطالع الحلقة الثانية من إفاداته.. { دور الدبلوماسية في رعاية المواطنين بالخارج وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أن الرعايا السودانيين بالخارج يتعرضون لكثير من الظلم حتى من دول شقيقة؟ - رعاية الدولة لرعاياها واحدة من الوظائف الرئيسية للعمل الدبلوماسي، والوظيفة الدبلوماسية هي وظيفة تمثيلية دبلوماسية تفاوضية إعلامية تقريرية لرعاية مصالح الدولة والسودانيين الموجودين بالخارج والاهتمام بشؤونهم، هذه وصفة أساسية منصوص عليها في اتفاقية (فينّا) للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961م، وطبيعي جداً أن تحدث مشاكل في بعض الدول، والسودانيون موجودون في كثير من الدول، هذه المشاكل تتراوح بين الوجود بدون إقامة في منطقة مثل السعودية، بالدخول للحج والعمرة وعدم الخروج، والذهاب للبحث عن عمل، يبدو أن هنالك نوعاًَ آخر من المشاكل قد ظهر، السودانيون لم يكونوا معتادين عليها، هذه المشاكل تمس كرامة السودان وذاتيته وطابعه القومي، والدبلوماسية تتعامل مع الواقع الموجود، وهذا واقع ظهر جديداً، المهم في هذا الأمر أعتقد أن بعثاتنا الدبلوماسية المختصة في هذا المجال قامت بدور كبير ودور جيد جداً لاحتواء هذا الوضع. الدولة المعنية اعتذرت وأبدت أنها على استعداد أن تصلح الوضع وأنها ستعاقب من قام بهذه الأفعال، هذا في حد ذاته نوع من نجاح الدبلوماسية، وحالياً في السعودية يكون السودانيون عاملين لفترات طويلة دون الحصول على حقوقهم. المواطن السوداني ضغوط الجنسية عليه ووجوده خارج وطنه يجعله يقبل وضعاً غير قانوني ويكون صعباً على الدول حمايته، أعتقد لابد أن يكون لبعثاتنا الدبلوماسية ملحقون يستطيعون أن يراجعوا ظروف وعقود العمل، وبالنسبة للسودانيين إذا وجدوا عقود عمل غير منصفة وتحدث خللاً أو مشكلة مستقبلية يطلبون من هؤلاء السودانيين العودة لديارهم. { حسناً.. في محور آخر.. هل يمكن تفسير اهتمام تركيا مؤخراً بقضية غزّة وتسيير قافلة الحرية إليها بأنه بحث عن دور جديد في منطقة الشرق الأوسط؟ - الآن هناك إعادة ترتيب للقوى الاقليمية في المنطقة، الأتراك استبانوا واستدركوا أنهم أقرب لفقدان دورهم الأوروبي، والآن بدأوا يبحثون عن دور في الشرق الأوسط هو أقرب إليهم تاريخياً وأقرب لهذه الدول الموجودة، وتربطهم بها علاقات تاريخية وأزلية، وهي عودة للأصالة بالنسبة اليهم. تركيا كانت في فترة الحرب الباردة تلعب دوراً مهماً وكبيراً جداً للحلف الاطلنطي، وأصبح الآن لا يركز على المنطقة، وتركيا كانت بوابة حلف الاطلنطي للاتحاد السوفيتي، والآن انتهى الحلف الاطلنطي، والدول الاوروبية حاولت أن تضغط على تركيا وتعدل أشياء كثيرة حتى تقبل بها عضواً في الاتحاد الاوروبي، وتركيا كشعب مسلم لا يستطيع أن يعدل متطلباته، وأعتقد أن القيادة الحالية في تركيا من منطلق هذه المعطيات تعتقد بأن الدور الحقيقي الذي يمكن أن تقوم به هو دور في الشرق الأوسط وليس خارجه، وأعتقد أنها ناجحة في هذا الدور ويمكن أن تصبح قوة اقليمية ناجحة منافسة لقوى اقليمية أخرى. { تركيا وإيران في فترة ما كانتا ركيزتي المشروع الغربي في الشرق الأوسط، هل ذلك يمكن أن يخلق نوعاً من توازن القوة.. هل انقلب السحر على الساحر؟ - وجه المقارنة ما بين ايران وتركيا بالنسبة للمشروع الغربي يختلف قليلاً، لأن تركيا تعتبر حليفاً وايران تعتبر عدواً، مشروع الشرق الأوسط المطروح من قبل الامريكان في المنطقة هو شرق أوسط يمتد من أفغانستان الى ايران الى العراق وتركيا والدول العربية في شمال افريقيا، إلى منطقة الشرق في الجزيرة، بمعنى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد لدى الامريكان يريد أن يذوب الهوية العربية في هوية اقليمية لتتحول الجامعة العربية الى جامعة اقليمية توجد فيها إيرانوأفغانستان وتركيا والدول العربية، وموجود فيها إسرائيل، مشروع الشرق الأوسط الجديد هو خطوة متقدمة نحو استيعاب اسرائيل في المنطقة أو التنظيم الاقليمي الموجود في المنطقة، هذا ما يرمي اليه الامريكان، بالتالي جزء من مخططهم وأحد أهدافهم الاستراتيجية في إيران هي تطويع النظام الايراني بأي صورة من الصور بحيث أنه يقبل اسرائيل، وتطويع الدول القوية في المنطقة، لذلك تأتي الخطوة التالية في إقامة منظمة اقليمية تكون اسرائيل جزءاً منها، وهدف الولاياتالمتحدةالامريكية أن تضم دولاً غير عربية في مشروع الشرق الأوسط الكبير في منظمة اقليمية وضم اسرائيل، وهي تريد أن تسبق ايران وتركيا لتصبح إسرائيل لديها الحق في أن تصبح جزءاً من هذا المشروع. { ما هو تفسير صدور عقوبات في حق إيران من قبل مجلس الأمن، وفي نفس الوقت الدول الأوروبية تقبل التفاوض معها؟ - أتصور الدول الغربية تمارس نفس الذي مارسته تجاه العراق، ليس المفاعل النووي وليس القوة الايرانية النووية هي الأساس، الدول الغربية لديها أهداف أبعد من ذلك، بالنسبة للعراق اتضح أنه ليس لديه أسلحة دمار شامل باعتراف الولاياتالمتحدة نفسها أن تقارير السفارة كانت مضللة، فعلاً جهات داخل الولاياتالمتحدةالامريكية قدمت معلومات خاطئة كان الهدف منها هو الاستيلاء على العراق وعلى نفطه وتحييد دوره في ما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي، لأن العراق كان يمثل دولة متقدمة جداً بين الدول العربية من ناحية التكنلوجيا والتصنيع الحربي، وكانت هي الأهداف الاساسية، وبالنسبة لإيران الهدف تطويع النظام الايراني وتقويضه، وهي مسألة ليس لها علاقة بالمفاعلات النووية، أعتقد أن ايران قدمت كل ما لديها لكي تتفاوض، لكن يوجد إصرار على تطبيق العقوبات، وحتى الولاياتالمتحدة زادت العقوبات بعقوبات فردية. { وهل سيشن التحالف الغربي هجوماً على إيران كما حدث في العراق؟ - أتصور لو كان في إمكان التحالف الغربي واسرائيل أن يشن هجوماً على ايران لفعل، لأنهم يعلمون تماماً ردة الفعل الايرانية تجاه هذا الهجوم، ولن يسهل ابتلاع ايران كما سهل ابتلاع العراق، ايران لديها كروت وأوراق ضغط كبيرة جداً يمكن أن تحركها ويمكن أن تضر مصالح التحالف الغربي في المنطقة كلها. { هذا الحديث يقود للاصلاحات داخل مجلس الأمن، ما هي الإصلاحات المطروحة في هذا الصدد؟ - مسألة الإصلاح في مجلس الأمن هي جزء من عملية إصلاح كبيرة في الأممالمتحدة، وهي واجهت أربعة محاور للاصلاح وما زالت مطروحة حتى الآن، المحور الأول هو محور الأمانة العامة، من المعروف أن الدول دائمة العضوية لها دور كبير في اختيار منصب الأمين العام لمجلس الأمن، والدول الكبرى وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية لديها سابقة في تجربة بطرس غالي عندما وافقت على تجديد الفترة بالنسبة الى 14 دولة ورفضتها الولاياتالمتحدةالامريكية، وهذا يوضح أن الأمانة بها إشكالات، المساعدون العامون للأمم المتحدة هم ثلاث إدارات أو مفوضيات مهمة بها إدارة حفظ السلام، الشؤون السياسية، الشؤون الانسانية للاجئين، ومفوضية حقوق الإنسان، وهذه المناصب تعطى في الغالب للأوروبيين، مثلاً هولنز بريطاني يتولى الشؤون الانسانية، وجان فرنس يتولى ادارة حفظ السلام، والولاياتالمتحدة مصرة على أن تكون قريبة من ميزانية الأممالمتحدة، ودائماً لديها مسؤول كبير في الميزانية، وإدارتها كانت في وقت من الاوقات تتولاها واحدة من سفارات الولاياتالمتحدة، ودخلت في خلاف مع بطرس غالي حول الميزانيات سنة 94 تقريباً. الولاياتالمتحدة بحكم أن لها نصيباً أكبر ومساهمة أكبر في ميزانية الأممالمتحدة تحاول أن تجعل نفسها رقيباً على منصرفات الأممالمتحدة، كما أن الكونغرس نفسه رقيب على الادارة الامريكية في ما يتعلق بميزانيته التي يدفعها للأمم المتحدة، الميزانية العامة أو صندوق عملية حفظ السلام، هذا بالنسبة للأمانة، المحور الثاني خاص بعمليات حفظ السلام الاقليمية، وكونت له لجنة سنة 99 بقيادة الأخضر الابراهيمي وقدم تقريراً كبيراً جداً طرح فيه اصلاحات سنة 2002م، لكن في الواقع الموجود اليوم عمليات حفظ السلام الدولية تحتاج لمراجعة كبيرة في أدائها وانضباطها، والمهام المكلفة بها، والمحور الثالث هو محور حقوق الانسان، ومفوضية حقوق الانسان تحولت لمجلس حقوق الانسان، والكثير من الدول تعتقد أنه تحول من مفوضية لمجلس بشروط جديدة ووضع جديد يعتبر نوعاً من التغيير والإصلاح، لكن ما زالت بعض الإشكاليات موجودة في بعض أداء المجلس، ليؤدي دورا مناسبا لا تصيبه الازدواجية ولا الانتقائية، وما زال يحتاج للاصلاح. المحور الرابع والأخير مجلس الأمن به خمس دول لديها العضوية الدائمة ولديها (حق الفيتو)، مجلس الأمن لديه اشكاليتان، المشكلة الأولى أن المجلس بوضعه الحالي لم يعد يمثل ال 192 دولة الموجودة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لو نظرنا لمدى تطور هذا المجلس منذ قيام مجلس 1945م الى مجلس اليوم ونظرنا نسبة عدد أعضائه إلى عدد أعضاء الجمعية العامة نجد أن نسبة تمثيل عدد أعضاء الجمعية متدنية جداً، بحيث أصبح عضو المجلس يمثل ما يعادل 18 دولة، وفي وقت من الأوقات كان يمثل العضو في مجلس الأمن للجمعية العامة (1 الى 8) دول، هذا الجانب الأول في عملية الاصلاح، الجانب الثاني في العضوية الدائمة، فقد أوجدت لها الدول الكبرى مبرراً معيناً، في مؤتمرات سنة 1944م انعقد مؤتمران في أغسطس وديسمبر من نفس العام لمناقشة مسألة العضوية الدائمة، والدول أقنعت نفسها أن لديها ما يبرر في ذلك الوقت للحفاظ على هذا الوضع وصولاً للأمن والسلم الدوليين، والدول الصغيرة انتقدت عدم المساواة داخل المجلس، ما بين الدول الأعضاء، ونادت وطالبت في مؤتمر بأن يكون لديها حق الدفاع الشرعي عن نفسها في المادة (51) لكي تخلق نوعاً من التوازن بين سلطات الدول الكبرى بين ما يمكنها من حق الدفاع عن نفسها أولاً قبل أن تسمح للأمم المتحدة أن تدافع عنها، الشيء المطروح في هذا المحور الآن أولاً توسيع عضوية مجلس الأمن لكن تتناسب مع النسبة الأولى التي كانت موجودة عند قيام الأممالمتحدة. وقد يصل المقترح الى 25 دولة. المطلوب الثاني هذه العضوية الدائمة تضاف اليها قوى اقليمية، ممكن أمريكا يكون لديها ممثل وكذلك افريقيا، الملاحظ أن أوروبا ممثلة بعدد من الدول، بريطانيا وفرنسا وروسيا أصبحت دولة، لكن آسيا كلها ممثلة بدولة واحدة هي الصين، حتى بالنسبة للعضوية الدائمة لا توجد عدالة، فالمطلب إما الغاء نظام العضوية الدائمة، ولا أعتقد أن الدول الكبرى ترضى بذلك، أو تكون العضوية تمثيلية لمنظمات دولية، مثلاً الاتحاد الاوروبي ينتخب ممثلاً له كل سنتين.. العضوية الدائمة تكون للمنظمات الاقليمية ليصبح هنالك تمثيل عادل للدول الافريقية والآسيوية واللاتينية التي لم تمثل بالقدر الكافي.