السوكرتا يكتسح الدفاع بسداسية في دوري الدرجة الأولى ببورتسودان    مان يونايتد يفقد ستة مراكز للأمام    (لبنان لن تكون عصية)    فضيحة كندية بشأن خطوة خطيرة في السودان    رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان يكتب: حقيقة الحرب في السودان    تفاصيل اجتماع مجلس الأمن والدفاع السوداني    بيان الصراخ... لماذا تفقد دبلوماسية سلطة ابوظبي المنطق ؟    هل القحاتة عشان لابسين بدل وبتكلموا انجليزي قايلين روحهم احسن من ابو لولو ؟    بالصور والفيديو.. المريخ يفتتح مشواره في الدوري الرواندي بعرض راقي وأداء ملفت.. شاهد إبداعات ومهارات محترفه الجديد التي لفتت الأنظار وملخص المباراة كاملة    شاهد بالصور والفيديو.. رغم الحرب والمعاناة.. جمهور كرة القدم بإستاد "ربك" يطرب نفسه بالمدرجات ويغني بمصاحبة الفرقة الموسيقية خلال إحدى المباريات "يا ظبية المسالمة"    وفاة مسؤول في السودان    يامال يثير ذعر منافسيه: اقتربت من استعادة مستواي    خالد عمر يوسف : قرار حميدتي بوقف اطلاق النار،، موقف مسؤول    شاهد بالصورة.. مشجعة الهلال السوداني الحسناء "سماحة" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بإطلالة مثيرة    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    لاعبو المنتخب الوطني يرفضون أداء التمرين بقطر ويعودون للفندق والسبب تأخير "الحافز"    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    كامل إدريس يصدر بياناً لتأييد خطاب ومواقف رئيس مجلس السيادة    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تخطف الأضواء لحظة وصولها لإحياء حفل بإحدى القاعات بسيارتها "لاند كروزر" الفارهة والرجال يتزاحمون ويقفون لإستقبالها    شاهد بالفيديو.. حكومة "تأسيس" تصدر أوامر بالقبض على البرهان والعطا ومناوي وتطالبهم بتسليم أنفسهم لمركز شرطة الفاشر وتناشد المواطنين على مساعدتها في القبض عليهم    الإعيسر: حديث ميليشيا الدعم السريع المتمردة عن هدنة إنسانية مناورة سياسية مكشوفة تتناقض بشكل صارخ مع الواقع    لماذا يصعب الإقلاع عن التدخين؟    "نفير الأغاني".. رهان على الفن من أجل السلام    التضخم ..."غول" يحد من قدرة السودانيين على الشراء    بنك الخرطوم: استوفينا جميع المطلوبات لافتتاح فرع للبنك في مصر    السودان.. قرار بحظر نشاط صيد الأسماك وإغلاق لبحيرتين    لجنة عودة المواطنين للعاصمة تتفقد أعمال تأهيل محطات المياه والكهرباء بمحلية الخرطوم    لماذا لا ينبغي التعويل على تصريحات ترامب    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تمنع الرجال من الصعود للمسرح لمنحها "النقطة" وأحدهم يسقط على الأرض بعد محاولته الوصول إليها    شاهد بالصورة والفيديو.. أحدهم وقف أمامه وأنشد قصيدة.. "تمثال" قائد الجيش "البرهان" يثير جدلاً واسعاً وسط تعليقات متباينة ما بين مشيدة ورافضة (الكاهن يستحق أكثر من ذلك ورجعنا لعبادة الأصنام)    شاهد بالصور.. المقرئ السوداني الشهير "شيخ الزين" يثير تفاعلاً إسفيرياً واسعاً بعد ظهوره بإطلالة شبابية ب"الجينز" والجمهور: (أنيق تبارك الله ما يسحروك وأعمل حسابك واتحصن من عين البنات)    أطباء ينصحون بتقوية المناعة قبل دخول الشتاء    تحديث «إكس» يفضح مواقع إنشاء حسابات قادت حملات سلبية ضد السعودية    زراعة الخرطوم ومنظمة الفاو تنفذان حملة تطعيم الماشية بولاية الخرطوم    ادارة مكافحة المخدرات ولاية النيل الابيض تضع حدا لنشاط شبكة إجرامية متخصصة في الإتجار وتهريب الحبوب المخدرة    أكبر هبوط شهري منذ انهيارات الكريبتو في 2022.. لماذا ينهار سوق العملات المشفرة الآن؟    إدارة مباحث كسلا تفكك شبكة إجرامية لتهريب البشر يتزعمها أحد أهم المطلوبين الهاربين من السجن    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    أمريكا تفتح بوابة الرقاقات المتقدّمة أمام G42    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    تسيد السعودية للإقليم خلال العقد القادم    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    السودان يعلن وصول شحنة من هولندا    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال محمد إبراهيم : مشاهد من ربيع الشباب السوداني
نشر في رماة الحدق يوم 14 - 02 - 2019


(1)
إنه ربيع الشباب السوداني
فيما تتواصل المسيرات الشعبية في شوارع العاصمة الخرطوم، وسائر المدن السودانية، وبتزامنٍ مدهشٍ، يعكس قدرة قيادة هذا الربيع الشبابي على تنظيم المسيرات السلمية، والاعتصامات الشعبية في الميادين العامة، فإنه لمن المؤسف أن يبقى موقف النظام متمترساً في مكانه، من دون أن يتزحزح. يؤمن الشبابُ بأن النصر ودحر النظام الظالم أقرب إليهم من حبل الوريد، فيما النظام، وبغباء الغطرسة، يحسب أن خيار القمع بعصا مثل عصا الراقص الأول، وبرصاص جندرمته، سيستأصل شأفة أولئك الشباب الثائرين، غير أن عصا الشباب فعلت فعل عصا موسى مع ثعابين سحرة فرعون، لكنهم يكابرون..
(2)
إنه ربيع الشباب السوداني
موسم ليس كمواسم الربيع التي شاعت في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منذ عام 2011 وما بعده، لكنه موسم ربيع ثالثٍ ينجزه السودانيون في بلادهم، بتفرّدٍ فيه من جذوة الأفريقانية شيء ومن عمق العربانية شيء.
نظر الشباب السوداني للطغاة، ومن يزيّنون لهم طغيانهم، ويشبّهون غطرستهم وصراخهم، بصولة الأسود وزئيرها. ثمّة علماء أدعياء في الدين، احتكروا منابر المساجد، يلقون الخطب الدينية على المصلين، ويحضّونهم على عدم جواز الخروج على ولاة الأمور، ويحاجّون المصلين وسواهم، بما ورد في الكتاب والسنة. علماء السلطان هم علماء السلطان، منذ أن بُنيَ الإسلام على خمسٍ. كان ردّ فعل الغاضبين على الحكومة طرد هؤلاء العلماء الموالين للسلطان. في أكثر من مسجدٍ كبير، أخد المصلون بزمام أمر مساجدهم وأنزلوا مثل أولئك الأئمة عنوةً من المنابر، ثمّ طردوهم من المساجد . ما أوضح تلك الرسالة التي تدين الخطاب "الإسلاموي" الذي تدّعيه السلطة، ويروّجه علماؤها الغرباء عن دينهم وعن وطنهم.
(3)
إنه ربيع الشباب السوداني
حين وقع حادث لعربةٍ بلا أرقام، محشوّة بأفراد الأمن الملثمين والمدجّجين بالسلاح، وطاحت بهم في الطريق أمام المتظاهرين، وجرح بعض رجال الأمن، هبّ الشباب المحتج لنجدتهم، وحملوهم على أكتافهم إلى سيارات الإسعاف. إنه مشهدٌ مؤثرٌ لشهداء افتراضيين يضمّدون جراح قاتليهم الفعليين. كانوا يهتفون: "سلمية .. سلمية"، ويقصدون أنهم لا يتعمّدون مواجهة رجال الأمن بأيّ سلاح. وبالفعل، لم يكن وسط الشباب من يحمل سلاحاً، بل هي حناجرهم تملأ الشوارع بهتافٍ يدعو إلى إسقاط النظام.
من الواضح أن حالة الاحتقان السياسي لا يستوعبها رادار النظام، فهو اختار مقابلة أمواج الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات السلمية، بتشنجٍ من عناصره الأمنيين، الرسميين وغير الرسميين. من هم بلباس الجيش، ومن سواهم من رجالٍ متلثمين، مثلما يتلثم المجرمون خشية أن يتعرّف الناس عليهم، كانت مهمتهم، نظرياً، هي حماية الممتلكات العامة، وحماية جمهور المحتجين المسالمين، لكنهم استهدفوا صدور الشباب العزّل.
(4)
إنه ربيع الشباب السوداني
هم شباب يمثلون أكثر من 50% من كامل سكان البلاد، وجلّهم في بواكير العقد الثالث من أعمارهم. لعلّ أكثر مشهدٍ لافتٍ في انتفاضة السودانيين هذه المرّة، هو ذلك الحضور الفاعل للمرأة، في التظاهرات وفي الاعتصامات. يرفعن أصواتهن بالهتافات الداوية. يطلقن الزغاريد، إن خرّ شهيدٌ أمامهن برصاص المتشنجين من عناصر الأمن، فتزداد حماسة المتظاهرين، ويكتسحون سيارات الأمن بصدور مفتوحة. تلك مشاهد لم ترصد في كلّ مظاهر الربيع العربي الذي عرفناه، في مصر وتونس وليبيا.
(5)
إنه ربيع الشباب السوداني
وللتاريخ، كان للمرأة السودانية حضورٌ متقدمٌ في ذلك الربيع، نراه في ساحات السياسة، كما في دواوين الخدمة العامة، وفي الجيش والقضاء والتعليم، بل وفي مختلف مجالات الحياة. التعتيم الذي لحق بأدوار المرأة السودانية أمر طارئ أبدع الإسلامويون في النظام السوداني في فرضه على المرأة السودانية، على مدى الثلاثين عاماً الماضية. يتذكّر المتابعون، قبل أربعة أعوام أو خمسة، تلك الفتاة الغريرة التي تم عقابها بالجلد أمام جمع من الناس، فيما أخذ المنفذّون من رجال الشرطة يتلذّذون بسماع ولولتها، في ساديةٍ يحسدهم عليها الماركيز دي ساد نفسه... ثم هنالك قصة الصحافية: فتاة البنطلون التي فضحت خواء ذلك النظام، وانتهى بها المقام معزّزة في عاصمة الحرية باريس. الشباب الثائر سيردّ الكرامة والاعتبار لمن ظلموا وفي مقدمتهم، نساء عظيمات تنحني الهامات لهنّ.
للانتفاضة المندلعة الآن أيقوناتها من الرجال مثلما لها من النساء. أكثرهن الآن قابعاتٌ في معتقلات النظام: طبيبات وصحافيات ومعلمات، وأيضاً بائعات القهوة والشاي في الطرقات والحدائق العامة، تحت شمس النهار، لا في جنح الظلام. ربيع الشباب السوداني، أدار ثورةً احترمت المرأة، فلم تتأذّ من محتجّين، ولم يتحرّش بها أحد. لقد تابعنا وسمعنا عن مشاهد تحرّش واستخفاف ببعض نساء الربيع العربي في مصر، وفي غيرها من البلدان العربية. يقدم الشباب السوداني نماذج بهية في ربيعه المميز.
(6)
إنّهُ ربيع الشباب السوداني
سيعمد النظام إلى تشويه أهداف ثورته ومراميها، وستواصل أزلامه رفع عصا الإذلال، لا جزرة السياسة، وسيتمادى ما شاء له التمادي، غير أن للمظلوم نفَسَاً أطول، وللظالم صبراً قصيرا، ولن يفلح خيار العصا، وإن غلظت.
إنّهُ شباب قدّر أكثر المراقبين داخل السودان، أنّهُ البعيد عن تاريخ وطنه، المشغول بوسائل التواصل والمهتمّ بالقشور وإطلاق الشعور وارتداء المحزّق من الملابس. طاش سهمهم، فالشباب السوداني الثائر أكبر من ذلك كله. لقد هبّ بصدورٍ مفتوحة، يتحدّى رصاص الظالم، ليبني وطناً حراً كريماً وعادلاً. أبدع شعراؤهم بنظم قصائد الثورة والحماسة، مثلما أبدع مطربوهم بنشر أغنيات الثورة وأناشيدها، وبثها عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فيسبوك ويوتيوب، كما أنشأوا إذاعةً افتراضيةً وقناة تلفزيونية في الإنترنت. وفي ذلك كله كان للمرأة حضورها البهي، فكانت زهرة ربيع الشباب، حتى وإن غاب عن حدائقهم نرجسه وياسمينه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.