كم مرة يجب أن تقيس ضغط دمك في المنزل؟    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محمد حامد جمعة نوار يكتب: لماذا بابنوسة    عثمان ميرغني يكتب: لليوم الثالث.. الحملة مستمرة    إدارة ترامب توقف رسميا إجراءات الهجرة والتجنيس من 19 دولة    المدير العام لجهاز المخابرات يقود وفد السودان في مؤتمر الجريمة المنظمة بصربيا    الشعلة تقسو على الهلال برباعية في دورة معركة شهداء الكرامة بمدينة رفاعة    السوكرتا يجري مرانَه الرئيسي بملعب نادي الشباب كسلا    كيف يعود المريخ ومتى؟    شاهد بالفيديو.. مواطن باكستاني يتغزل في السودانيين: (الواحد منهم إذا حطيته في الجرح يطيب..نسوني همومي بأرواحهم الراقية وقلوبهم الصافية وعقولهم النظيفة وتعيش بينهم لكن صعب تعيش بدونهم)    شاهد بالفيديو.. مواطن باكستاني يتغزل في السودانيين: (الواحد منهم إذا حطيته في الجرح يطيب..نسوني همومي بأرواحهم الراقية وقلوبهم الصافية وعقولهم النظيفة وتعيش بينهم لكن صعب تعيش بدونهم)    شاهد بالفيديو.. الأخوين أصحاب "الترند" يعودان لخطف الأضواء من جديد ويطربان والدتهما بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تحتفل بعيد ميلادها وسط سخرية غير مسبوقة من الجمهور: (افتحي التعليقات كان تقدري وشوفي الاحتفال الصاح)    شاهد بالفيديو.. "بدران" الدعم السريع يناشد سكان الجزيرة للانضمام لدولتهم وسحب أبنائهم من "كيكل": انتم مهمشين من الكيزان والدليل على ذلك أنكم تقولون "ها زول"    السودان.. تقارير تكشف مقتل قادة عسكريين في كمين    النقطَة ولا صَمّة الخَشُم    هدايا الدوسري تمنح المنتخب السعودي فوزًا صعبًا على عمان    شاهد بالفيديو.. العميد طارق كجاب يكشف ما حدث في بابنوسة ويشيد بقادة الفرقة 22: (إختاروا الله على الشيطان واختاروا الوطن على القبيلة وخاضوا معركة فاصلة هزموا فيها متحركات للمليشيا كان قائدها دقلو)    شاهد بالفيديو.. قبل يوم من المباراة.. معلق مباراة السودان والجزائر "العماني" يتوقع فوز صقور الجديان على محاربي الصحراء في كأس العرب    الخرطوم تعيد افتتاح أسواق البيع المخفض    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    شاهد بالفيديو.. قصة إسلام رجل "فلبيني" بالقوة على يد مواطن "سوداني" وأصبح بعدها من الدعاة المعروفين وأسلم على يده الآلاف    لاعب ليفربول لصلاح: لن تلعب أساسياً.. حتى لو كنت "ميسي"    شبان بريطانيا يلجأون للمهن الحرفية هربا من الذكاء الاصطناعي    احذر تناول هذه الأدوية مع القهوة    الأمين العام للأمم المتحدة: صراع غزة الأكثر دموية للصحفيين منذ عقود    بشكلٍ كاملٍ..مياه الخرطوم تعلن إيقاف محطة سوبا    فيلم ملكة القطن السوداني يحصد جائزة الجمهور    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    شقيق الفنان محمود عبد العزيز يواصل سرد كواليس اللحظات الأخيرة من حياة "الحوت": (شارد، سرحان، كلامه معاي مختصر شديد، هادي على غير العادة... وكان رايق بطريقة غريبة)    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    أيّهما صحي أكثر.. الدجاج أم السلمون؟    العطش يضرب القسم الشمالي، والمزارعون يتجهون للاعتصام    إخطار جديد للميليشيا ومهلة لأسبوع واحد..ماذا هناك؟    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشرطة في السودان تعلن عن إحباط المحاولة الخطيرة    الميليشيا ترتكب خطوة خطيرة جديدة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مخاوف من تأثر أسواق دارفور بقرار منع حظر خروج السلع من الشمالية    بالصورة.. مذيعة سودانية كانت تقيم في لبنان: (أعتقد والله اعلم إن أنا اكتر انسان اتسأل حشجع مين باعتبار اني جاسوسة مدسوسة على الاتنين) والجمهور يسخر: (هاردلك يا نانسي عجرم)    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر المثيرة للجدل سماح عبد الله تسخر من الناشطة رانيا الخضر والمذيعة تغريد الخواض: (أعمارهن فوق الخمسين وأطالبهن بالحشمة بعد هذا العمر)    شاهد بالصورة والفيديو.. بثوب فخم ورقصات مثيرة.. السلطانة تشعل حفل غنائي بالقاهرة على أنغام "منايا ليك ما وقف" والجمهور يتغزل: (كل ما نقول نتوب هدى عربي تغير التوب)    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    "نفير الأغاني".. رهان على الفن من أجل السلام    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.عبد الوهاب الافندي : السودان: هل يمكن أن يساهم الإسلاميون في دعم الديمقراطية؟
نشر في رماة الحدق يوم 18 - 01 - 2020

إذا صدّقنا مقولة غسّان سلامة، والمشاركين معه في كتابه "ديمقراطية من دون ديمقراطيين" (1994)، أن الديمقراطية ممكنة من دون وجود من يؤمنون بها، فيمكن لنا أن نحلم بأن تكون في السودان ديمقراطية في وقت قريب. وفلسفة سلامة في هذا الأمر هي أن الديمقراطية، كما يقول آدم شيفورسكي، غالبا ما تنتج عن صراع ينتهي ب "لا غالب ولا مغلوب". وعليه، تقبل الأطراف بالتعايش السلمي على مذهب "مكره أخاك لا بطل"، إلا أن عزمي بشارة، في كتابه "في المسألة العربية" (2007)، يرفض هذه المقولة، لأن الديمقراطيه تحتاج، في بداية أمرها على الأقل، إلى من يؤمن بها، حتى يستقيم أمرها ويترسّخ بنيانها. ومهما يكن، لا يكاد يوجد ديمقراطيون في السودان اليوم، على الأقل ليس ضمن من يتصدّرون المشهد. وما نشهده حاليا هو سباقٌ بين نماذج متنافسة من الدكتاتورية.
ولا أريد أن أتوقف طويلا هنا عند أحداث اليومين الماضيين، المتمثلة في تمرّد بعض الجنود المسرّحين من كتائب هيئة العمليات الخاصة في جهاز الأمن والمخابرات. أولا، لأن هذه حادثة تخلو من مغزىً سياسي سوي ما تطرق إليه مقال سابق للكاتب من غياب الدولة السودانية وتضعضعها، والصراعات المستمرة بين الفلول العسكرية للنظام السابق حول وراثة السلطة، فتمرّد جنود مسرّحين، أو حتى من هم في الخدمة كما حدث من تمرّد لقوات الأمن المركزي المصري في عام 1986، لا يمكن وصفه بأنه محاولة انقلابية، فضلا عن أن يكون مؤامرة. ولو كان مدير المخابرات السابق، صلاح قوش، وأنصارُه من فلول النظام المندثر قصدوا التآمر، بحسب الاتهامات الرائجة، لكان الأوْلى بهم توجيه عناصر هيئه العمليات الخاصه لقبول الانضمام إلى عناصر القوات المسلحه الأخرى لاستخدامهم في الوقت المناسب، وليس قبول التسريح كما اختار غالبهم. من الواضح، إذن، أن الفئه التي تمرّدت غير مسيسة، اختارت المال والابتعاد عن الساحة العامة، لكنها فوجئت بالمال الذي راهنت عليه كان سراباً، فردّت بصورة عفوية ليست مستغربة في مثل هذه الظروف، تماما كما حدث عندما تمرّد الأمن المركزي المصري، إثر سريان إشاعة تمديد الخدمة العسكرية الإلزامية.
ولكن ما حدث فتح الباب للاستغلال السياسي عبر تضخيم متعمّد للأمر من القوى المتصارعة في التكتلات العسكرية، بغية تحسين وضعها السياسي، والتخلص من المنافسين. وعليه، نجد قوات
الدعم السريع عزّزت من إمكانية وراثتها الجيش، وتجنب المساءلة عن فض الاعتصام في الصيف الماضي. واتبع هذا التكتيك التحالف العسكري الحاكم، حين أعلن عن انقلاب مزعوم عقب فض الاعتصام، وأجبر قوى الحرية والتغيير على توقيع اتفاق شراكة معه تحت وقع هذا التهديد. وسيؤدي هذا كله في المرحلة القصيرة إلى عسكرة النظام الحالي، وربما تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمّى، بدعوى الخطر على الثورة. أما على المدى الطويل فهو سيدمّر ما بقي من الدولة واقتصادها.
ولا شك أن تحرّكات بعض أنصار النظام السابق، المتمثلة في مظاهرات إثبات الوجود تحت شعارات دينية، قد ساهم في إيجاد هذا الوضع المتوتر، فقد كان حجم المظاهرات غير المتوقع في وقتٍ ما تزال فيه ذكرى النظام القديم وجرائمه ماثلةً للعيان مصدر قلق كبير للثورة وأنصارها، ما جعل بعض الأصوات ترتفع علناً ضد مناخ الحريات النسبي، بدعوى أنه أصبح يستغل لتقويض مكاسب الثورة. وهذا خوفٌ مشروع، لأننا شهدنا في معظم بلدان الثورات العربية ردّة كبيرة ومفاجئة ضد الحريات، بل مظاهرات ضد الديمقراطية كما حدث في مظاهرات يونيو/ حزيران 2013 التي مهدت لانقلاب عبد الفتاح السيسي، أو مظاهرات الحوثيين ضد سحب الدعم عن الوقود في سبتمبر/ أيلول 2014، التي مهدت لانقلابهم على السلطة الانتقالية في اليمن. ولكن في كل هذه الحالات، كانت تصرّفات الثوار هي التي مهدت لهذا الوضع، كما حدث من أخطاء "الإخوان المسلمين" في مصر وممارسات المليشيات في سورية وليبيا.
من جهة أخرى، يأتي وقود الاحتجاجات في السودان من مصادر عدّة، أبرزها تصاعد الأزمة الاقتصادية، والانطباع بأن هناك مجموعات سياسية صغيرة تهيمن على القرار، وتمارس "التمكين" لأنصارها ودوائرهم المقرّبة من الأصدقاء والأقارب. وقد زادت بعض هذه القوى باستفزازاتٍ غير موفقة للمشاعر الدينية لعامة المواطنين، ومنها المجاهرة بالإلحاد ومهاجمة الدين والمتدينين، وإغلاق إذاعة القرآن الكريم وبعض المنابر الدينية، إلخ.
والمطلوب حالياً هو تهدئة الأوضاع، وتوسيع دائرة دعم التحوّل الديمقراطي في البلاد، وتجنب الانزلاق نحو انهيار اقتصادي يتزامن مع حرب (بل حروب) أهلية، فبينما يمكن لتهويل المخاطر أن يخدم الأهداف قصيرة المدى لبعض الأطراف المتصارعة في داخل المنظومة الحاكمة، فقد تكون له آثار مدمرة. ذلك أن تضخيم المخاطر على الاستقرار يساهم، بصورة مباشرة، في ضرب الاقتصاد الهش، وعزوف المستثمرين، وهروب رأس المال. وهذا يساهم في مزيد من عدم الاستقرار. ولنا آية في تدهور سعر العملة خلال الأيام التي أعقبت التمرّد.
وهناك مسؤولية أمام الجميع للمساهمة في الاستقرار، بمن في ذلك من يسمّون أنفسهم الإسلاميين. وقد اعترض كثيرون من هؤلاء على انتقادي حراك ما سمّي "الزحف الأخضر"، دافعين حججا تبدو، في ظاهرها، مشروعة ومنطقية. يقول هؤلاء إنك كنت دائماً تنادي بالديمقراطية والعمل السياسي، فلماذا تُنكر على من خرج يتظاهر سلمياً ضد الإقصاء واستئثار جهات غير منتخبة بالسلطة؟
وفي حقيقة الأمر، لا نعترض على حق الناس في التجمّع والتظاهر وأي وسيلة أخرى من العمل السياسي السلمي. ولكن لكل حراك إطاره السياسي الذي يعطيه المعنى والمغزى والشرعية، فلا يمكن لجماعاتٍ ناصرت نظاماً استبدادياً فاسداً سنوات طويلة أن تظهر على المسرح السياسي بعد زواله لتنتقد فساد من جاء بعده، وتحاول طرح نفسها بديلا، من دون أن تطهّر نفسها من ذلك الماضي. وقد كنت جلبت على نفسي قدراً كبيراً من التهجّم حين انتقدت أنصار الشيخ حسن الترابي في انقلابهم على عمر البشير بخطابٍ خلا من تحمّل أي مسؤولية من ممارسات النظام الذي ساعدوا في إنشائه، وكانوا على رأسه في العشرية الأولى. فلا يكفي أن يُلقى اللوم كله على رأس البشير وعلي عثمان طه ممن كانوا رؤساءهم أو سواعدهم اليمنى. بالقدر نفسه، لا يمكن أن يخرج حزب المؤتمر الوطني على الناس بلباس سياسي قديم أو جديد بدون جردٍ حسابٍ لفترة حكمه السابقة.
صحيحٌ أن التيارات السياسية المرتبطة بنظام استبدادي مندثر يمكن أن تعود إلى الساحة بلباس جديد، إذا استقرّت الديمقراطية، وقبلت هذه الأحزاب بها، وخضعت لشروطها، فأحزاب شيوعية كثيرة في دول أوروبا الشرقية عادت إلى الساحة السياسية تحت مظلات جديدة، وبعضها وصل إلى الحكم أو شارك فيه. وكذلك نجد حزب نداء تونس المكون من أنصار بن علي وحزبه المندثر عادوا إلى الساحة، وانتخب منهم رئيس. ولكن لم تكن هذه عودة إلى النظام القديم، ولا إلى الأحزاب القديمة، لأن الأحزاب الجديدة لم تكن قادرة، حتى وإن رغبت، على فرض دكتاتورية جديدة، بل هي تخضع لحكم الشعب وسلطة القانون، وتترك الحكم حينما يقول لها الشعب وداعاً. ولعل هذا ما عناه غسّان سلامة وصحبه حين تحدثوا عن ديمقراطيةٍ بدون ديمقراطيين، فهؤلاء أصبحوا ديمقراطيين رغماً عنهم، لأنهم أصبحوا عاجزين عن الاستبداد.
من هذا المنطلق، يمكن للإسلاميين الصادقين في توبتهم عن ممارسات النظام السابق أن يقدّموا مساهمة فاعلة في تثبيت أركان الديمقراطية في البلاد، عبر الدخول في عمل سياسي ومدني مسؤول. وحينما كتبت، في مقال سابق، إن على أنصار النظام السابق تسليم مفاتيح الحكم للحكومة المدنية المنتخبة، فإن هذا كان مقصوداً، لأنه مفتاحي لتعزيز الانتقال، فلا بد من تفكيك النظام الاستبدادي السابق، عبر تخليص مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، من القبضة الحزبية، بحيث تخضع فقط لحكم القانون وإرادة الشعب. ولا يعني هذا بالطبع تحويل هذه المؤسسات إلى سلطة حزبية استبدادية جديدة، واستبدال تمكين محل تمكين، كما يبدو أن بعضهم يتصور ويتوهم.
وتكون المساهمة الإسلامية في ذلك بالتوقف عن الدفاع عن النظام السابق ومؤسساته وتركته، والتشمير لبناء نظام جديد يكون لكل السودانيين، وعلى أسس مقبولة للجميع. ويجب أن يتخلى أصحاب المناصب العليا طوعاً عن مناصبهم، فقد أخذوا فيها من الوقت ما يكفي، وأن يتخلى من بقي منهم من المهنيين والمختصين عن عصبيته الحزبية. وهذا يتطلب بالطبع أن يفعل الآخرون الشيء نفسه، فيتخلى بقية شاغلي المناصب والمؤسسات عن حزبيتهم وقبليتهم، وأن يتصرّف الحكام كرجال ونساء ودولة، وليس كعصابات وشلل وجماعات قرابة.
ذات وزن بالقوة، حتى لو كان معك حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإيران، كما هو حال أفغانستان والعراق اليوم. ولنا في تاريخ السودان نفسه عبرة، فها هي الحركة المهدية قائمة بعد أن أعادت اختراع نفسها، على الرغم من اجتهاد البريطانيين بمساعدة خصومها من أهل السودان ومصر في محوها من الأرض. وها هم إخواننا الجمهوريون من العالين في الأرض اليوم، على الرغم من اجتهاد نظامين سابقين في تشريدهم، وها هو حزب البعث الاشتراكي ناشط عندنا، يساهم في اجتثاث الآخرين بعد أن تعرّض هو نفسه للاجتثاث، وارتكب من الكبائر بفرعيه، في العراق وسورية، ما يكفي لتدمير عدة أحزاب.
ويجب أن نذكر أن ثوار السودان ليس لهم حلف أطلسي يساعدهم في الاجتثاث، وأن أطلسيهم هو قوات الدعم السريع التي لو استمرت في وضعها الحالي ستساعد في تدمير ما بقي من السودان، لأنها ستدفع كل قبيلة سودانية إلى إنشاء مليشيا خاصة بها، ويصبح لدينا بالتالي بضع مئات من الدول. فليتبصّر أهل التبصّر قبل فوات الأوان، ولا يكونوا مثل آخرين بذلنا لهم النصح، فجازونا بالشتم والتخوين، وهم اليوم بين سجين ومطارد وخائف، جزاءً وفاقاً. ومع ذلك، لا يزال غالبهم سادراً في غيه. والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.