في خبر قريب جاء في الشبكة الدولية أن أحد الطلاب في إحدى الجامعات الأمريكية قضى عاماً كاملاً وهو ينفذ مشروعاً للتخرج لبرج بيزا المائل قام بصنعة من مكعبات أسمنتية عن طريق رصِّها فوق بعضها حتى وصل ارتفاع المجسم «5» أمتار.. فرح الطالب فرحاً عظيماً مما جعله يدعو مراسل إحدى المحطات الفضائية لإجراء حوار معه قبل ان يقدمه لكليته. أخذ المراسل يجري الحوار وهو يجر معه وصلة طويلة. وفي هذه الأثناء رنّ جوال المراسل فاستأذن للرد على المحادثة إلا أنه جر معه المجسم فانهار كقطع الدومينو وتبخر مجهود عام كامل وسط ذهول المشاهدين وإغماءة الطالب الذي وجد نفسه يعود للمربع الأول. «افتح قوس»: كان الناس في قرية من قرى الشمالية يتحدثون عن ظاهرة زحف الرمال على بطون الأودية وإصابتها بمرض الاستسقاء الرملي، وكانوا يتحدثون عن تقلص مساحة المزروع وإنه لا يجيب همه، وكانوا يتحدثون عن ارتفاع الإصابات بمرض السرطان وكانوا يتحدثون عن العوائل التي رحلت بكامل أفرادها للخرطوم وانطلق أبناؤها يبيعون الماء البارد ومناديل الورق عند إشارات المرور أو يعملون كماسرة في الحافلات في العاصمة وإنهم على أقل تقدير يحلّون بماء الفول والرغيف ويتحلقون حول بائعات الشاي ويتركون خلفهم ذكريات الجدب والجفاف الذي أصاب قراهم وأصاب جيوب الرجال. الشاب محمود كان يستمع لتلك الآراء ويحمد الله أن له حماراً ينقل عليه ما يتحصل عليه من برسيم وما يجلبه له من جنيهات يُقمن صلبه. وكما يفعل الزمن بكل شيء كذلك جعل حماره أعرج يسير على ثلاثة ويتوكأ على واحدة والحال لم تعد الحال فباعه بخمسة جنيهات وامتطى صهوة بصات الخط ووصل الخرطوم حيث حل ضيفاً على أحد معارفه بالحلة الجديدة. وبعد يومين اشترى طبلية علقها على رقبته ووضع عليها الحلاوة بأنواعها وصناديق السجاير وأمواس الحلاقة والإكسسوارات النسائية وجميع مستلزمات التجميل وانطلق يبحث عن رزقه على أبواب الله الواسعة. وفي نهاية الأسبوع كان يجرى حساباته وما توفر له من ربح يضعه عند صاحبه الذي كان له محل في السوق الشعبي. وظل على هذه الحال خمس سنوات لا ينقطع فيها عن العمل إلا في اليوم الأول من عيد الفطر وعيد الأضحى ولا يتوقف عن إيداع أرباحه عند صاحبه التاجر في السوق الشعبي. وذات يوم والكهرباء «منقطعة النظير» إلا أنها في ذلك اليوم بالذات تحركت في سلك «عريان» فانطلقت شرارة أشعلت النار في السوق الشعبي قضت على كل شيء. وجاء صاحبه في نهاية اليوم ليقول له: - والله يا أخوي محمود بقولوا الجاتك في مالك سامحتك.. أول البارح قامت نار عندنا في السوق الشعبي وأكلت كل حاجة... ما فضلت شيء.. وغايتو العندي والعندك كلو انتهت منو... عاد نقول شنو؟ خسارة كتيرة.. لكن الزول بصبر.. وتنهد محمود تنهيدة عميقة واخرج كيس التمباك وأخذ سفة وضعها تحت لسانه وهو يقول: - يعني نقول: الزول يا دابو جاء من البلد؟ آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.