{ طرح عليّ أحد الإخوة سؤالاً: أيهما أفضل الحاكم أم معارضته؟ فأجبته على الفور: إنك تحصر قضية وطن كبير في مساحة صغيرة جداًَ ويبدو وكأن سؤالك هذا كمن يترك الفضاء الواسع ويختار ثقب إبرة للمرور لذلك الفضاء! . أما إن أردت التفاصيل فإن النظام الحاكم الآن جاء بطرح نال تأييد الغالبية العظمى من هذا الشعب، بعد أن ملّ صراع الأحزاب منذ الاستقلال حتى اليوم، ولكن لم يلتزم النظام الحاكم بالطرح الذي قدم به أوراقه، وحتى الأسلوب الذي قدم به هذه الأوراق لم يكن الأسلوب السوي فقد قدم أوراقه من خلال فوهة بندقية، وحين تنبه إلى الخطأ تم العلاج بخطأ آخر، حيث صنع حزباً في ظاهره هو الحزب الحاكم، وفي الحقيقة أن الحزب المصنوع خضع لقوانين صانعيه، وفي حقيقة الأمر أن الذين صنعوا الحزب هم من يقومون بتحريك بيادقه على طاولة الشطرنج السياسية!!! لا أود الدخول في تفاصيل أن الإسلاميين هم من قاموا بالانقلاب أو دعموه، فكما تبرأوا منه أول الأمر، نجدهم اليوم يتنصلون من تبعاته ويلقون باللوم على آخرين، فالشائع عندنا في السودان النأي بالنفس عن الخطأ دون تحديد من ارتكب الخطأ، لذلك تبقى القضايا المصيرية محفوظة حتى تتراكم لتصل إلى الحد الأقصى وعندها ينفجر كل شيء ويبقى حتى وجود الوطن سياسياً وجغرافياً مسألة شك كبير!. الإسلاميون أعلنوها (لله) ليس عن منهج أو خطة كما تبين في الواقع العملي، بل كان الإعلان نتاج أشواق وأمانٍ، والأشواق والأماني لا تبني دولة، بل العمل وفق منهج وخطة مدروسة يتم تنفيذها على مراحل، وكل مرحلة لها رجال متخصصون يقودونها إلى نهايتها لتبدأ المرحلة الجديدة التي يتناولها رجال آخرون أدرى بتفاصيلها من غيرهم!! لكن من تسنموا سدة الحكم جعلوا من أنفسهم رجال كل المراحل، دون أن تكون لهم دراية بتفاصيل أي منها، ولا عجب فلم تكن هناك مراحل أصلاً بل كانت مجرد أشواق سرعان ما تبدَّدت، وأخذ الوطن في التدحرج نحو القاع، وقد ساعد على هذا التدحرج عدم وجود مساءلة، وذلك أعطى الكثيرين حق الخيال في أنهم إنما يحسنون صنعًا، طالما لم يُسألوا عما يفعلون، وباب المساءلة حتى الأخلاقية أغلقوه هم بأنفسهم مع بقية الأبواب!!. بعض الأقلام كتبت عن نيفاشا وعن أخطائها وأذكر أنني وصفتها بأن لو جاءت الأمم يوم القيامة بخطاياها وجئنا بنيفاشا لرُجمنا بها!. انظروا ما فعلت نيفاشا بالسودان، وقد ظن الجميع أنها فقط ست سنين عجاف ستمضي بخيرها وشرها ولكن ما ظهر اليوم أنها قد بدأت للتو، وأنها ستحول الحرب الأهلية إلى حالة أكبر حرب بين دولتين، تتطور حتى تصبح حرباً إقليمية وربما إلى ما هو أكبر من ذلك إذا تضاربت المصالح، حرب بلا هدف يمكن أن تحققه، وبلا اقتصاد يمكن أن يموِّلها، وبلا مسرح محدد تدور فيه عمليات القتال... حرب يعانى طرفاها أزمة اقتصادية، يعانيان أزمة إجماع وطني وأزمة اقتصاد وأزمة غلاء وأزمة غذاء. النظام حين حكم السودان موحداً جعل من عائدات البترول تشكل الميزانية، وعندما انفصل الجنوب انتابته الحيرة وهام على وجهه، والحركة الشعبية التي انفصلت أرادت أن تبني دولة ذات سيادة وقوة بخراج ثلاثمائة ألف برميل بترول، في حين إن السودان يستهلك أكثر من نصفها يومياً، فكيف بهذه دولة؟!! نأتي إلى المعارضة والتي كانت حاكمة قبل النظام الحالي، المعارضة رغم أنها كانت تحكم فقد كانت ضعيفة للحد الذي قال عنها أحد أقطاب الحكم آنذاك: لو أن هذه الديمقراطية جاء إليها كلب ليأكلها لما نهرته ولما قلت له (جر)..!!! المعارضة حين كانت تحكم كانت ضعيفة، ولو كانت قوية لما انقلب عليها الآخرون بليل، فقد كانت من الضعف لدرجة أن استلمت منها الحكم قوة صغيرة في انقلاب أبيض وُصف بعد نجاحه بالثورة! مخطئ من يقول إن النظام الحاكم أضعف المعارضة، النظام الحاكم استمد قوته من ضعف المعارضة وليس من قوة ذاتية، وهذه قوة خادعة دائمًا ما تقود صاحبها إلى الدعة والاستكانة، فهو لا يعبأ بالمعارضة السياسية بقدر ما يخشى المعارض المسلحة، فالخوف من المعارض المسلحة وليس من المعارضة السياسية التي بين فينة وأخرى تتلقى بنجاً اقتصادياً موضعياً يجعلها تقدم أحب ما تخشى مستشارين ومساعدين!! أكبر زعماء المعارضة حين يجلس على مائدة الغداء في منزله ويتحلّق أعضاء الأسرة حول المائدة يمتلك القول بأن نصاب المكتب السياسي لذلك الحزب قد اكتمل، أما الحزب الكبير الآخر فإن راعيه وحده هو مكتبه السياسي!!. المعارضة في سعيها للحكم وضعت برنامجاً عموده الفقرى الانتقام، ، كيف يمكن لعاقل أن يختار بين معارضة لا يستطيع تسيير موكب احتجاج قوامه بضعة أفراد وبين نظام حكم لا يهمه أن يحرك الشارع تأييداً له لسبب غريب يتمثل في عدم إحساسه بوجود ذلك الشارع أصلاً!!. وهكذا يقف الشارع في حيرة من معارضة عاجزة عن تحريكه ونظام لا يحس حتى بوجوده، مع من سيقف هذا المواطن المسكين وليس بين الفصول في بلده ربيع! إلى منظمة الشهيد: في الثامن عشر من رمضان الموافق الثاني عشر من أغسطس 2011م كتبت عن الحاجة عازة عبد الجليل أم الشهيدين، وكيف تعاني أم الشهيدين من شظف العيش، الأخيار قدموا ما يمكن تقديمه، قامت منظمة الشهيد بزيارة لهذه الحاجة وقدموا لها جوال عيش وكانت هذه أول وآخر زيارة. الحاجة عازة مقطوعة عنها الكهرباء لعدم تمكنها من شرائها وتسكن منزلاً متهالكاً مهدداً بالسقوط في أية لحظة، وابنها الثالث والأخير الذي تبقى يحارب في صفوف القوات المسلحة في جنوب كردفان، كان يتصل بي من وقت لآخر ولكن أخباره انقطعت منذ شهرين تقريباً عني وعن أهله. لن أطيل في الحديث ولكن أذكِّر العاملين بمنظمة الشهيد أن مسؤوليتكم مسؤولية إلهية فإن لم تسألكم عنها الحكومة فإن الله لا محالة سائلكم فاتقوا ذلك السؤال!!